قيمة كل أمةٍ بحاضرها الذي يغزل منسج مستقبلها. الماضي لا تتجاوز قيمته العبر والدروس لكن ذلك لا يصنع حاضراً جيداً. هناك حنين متنامٍ للفترات التي كان العالم الإسلامي فيها ناهضاً وقوياً مثل الفترة التي تسمى لدى المؤرخين بالعصر الذهبي. محمد الجابري يستحثّنا على أن نتحول من "أمة تراثية، إلى أمةٍ لها تراث". الماضي الجميل لا يصنع حاضراً مميزاً لمجرد كونه زاهيا. على العكس، هناك أمم لديها ماضٍ تعيس وهي الآن تتسيد المشاهد العالمية بالاقتصاد والنهضة والفكر المتطور، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة والولايات المتحدة، بينما هناك أمم لها ماضٍ جميل وحاضر جميل مثل أوروبا. الذاكرة التاريخية مشبعة بالحنين والضعف العاطفي تجاه المراحل الماضية. يقول المفكر والمؤرخ التونسي هشام جعيط: "من الطبيعي أن يوجد نوع من اللخبطة في الضمير العربي وأن تحصل تساؤلات حول الهوية والرجوع إلى الدين وأمور من هذا القبيل في المجتمعات العربية والإسلامية، من زمن طويل حصل اختراقها من طرف حضارة أخرى هي الحضارة الغربية، وأن مجتمعاتنا مجتمعات هشة ودولنا دول هشة، وأنه يُوجد في كثير من مجتمعاتنا انشطار، هناك من تلون بقسط وافر من الحضارة الغربية، وهناك من يريد مناهضة هذا الاختراق الحضاري لأنه يخشى أن تذوب هويته، فيوجد حسب رأيي صراع داخلي، لأن العالم الحديث هو عالم قويت فيه الارتباطات والعلاقات، وهو عالم مفتوح بدرجة قصوى وسريعة، فهو عالم السرعة وبالتالي من الطبيعي أن ينجر قسم إلى اعتماد التغييرات الحضارية في الغرب وتقبلها، وقسم آخر يرى أنه سيضيع ذاته". التاريخ ليس مقدّساً وليس ثابتاً وإنما هو أرشيف أمة قد خلت، إذا رجعنا إلى إنجازات المسلمين في الأندلس سنصاب بالوجع والحنين لكنه وجع زائل ومؤقت ولا معنى له. التاريخ يبقى الأرشيف المطمور وما لم يتحول إلى عنصر انطلاق من جديد لمراحل أرحب ولصناعة مستقبل أقوى وللتأسيس لتلاقحٍ مع الحضارات والأمم فلن نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام. بآخر السطر فإن الحنين إلى الماضي قد يكون سبباً لأمراض وأعطال وكوارث فكرية واجتماعية ونهضوية، الحاضر وحده القاعدة التي تطلق الناس إلى المستقبل. الانكفاء على الذات وترديد الشعارات الماضوية يخلق منا كائنات هامشية تعيش في التاريخ ولا تستفيد منه.