لا يزال باتريك ديويل جبلاً من لحم ودم، ولكن عينيه الزرقاوين تتوهجان غبطة وهو يضغط على صدره برؤوس أصابعه ويبتسم بخبث ليعلن أمراً عظيماً: إنه يحس بأضلاعه! هذه اللحظة الصغيرة هي لحظة هائلة لباتريك ديويل.. لحظة تستحق أن يحكى عنها بعناوين الصحف: «لأول مرة منذ 25 عاماً رجل يستطيع أن يحس بأضلاعه». قبل سنة واحدة كان ديويل يزن 1,072 رطلاً (487 كيلوغراماً). كان جسمه ضخماً إلى حد أنه استلزم هدم حائط غرفة نومه لإخراجه من المنزل. وبعد ذلك نقل بسيارة إسعاف إلى أحد المستشفيات بولاية ساوث داكوتا لها أبواب واسعة أرسلت خصيصاً من دنفر بكولورادو. رجل واحد يزن حوالي نصف طن. شيء يصعق العقل. حقائق حياة ديويل تصعق العقل أيضاً. لم يكن حتى ذلك الوقت قد خرج من غرفة نومه منذ سبعة أشهر.. ولم يغادر المنزل منذ سبع سنوات. إنه لا يستطيع الجلوس، ولا التقلب على فراشه من تلقاء نفسه. إنه يعاني من مشاكل في القلب ومرض السكري. باتريك ديويل كان على حافة الموت. صورة التقطت له في شهر حزيران 2004 تظهره كبالون منفوخ مستلقياً على بطنه لا حول له ولا قوة، ولا يستطيع الحراك. والآن وبعد أكثر من سنة على نقله إلى المستشفى لإجراء عملية تقطيب لتصغير معدته يجلس ديويل على أريكة مثبتة على كتل اسمنتية، وهو لا يزال يبدو أشبه بتمثال ضخم، إلا أنه أصبح أقل من نصف الرجل الذي كان. وهذا أمر مدهش حسب أطبائه. ويوافق ديويل على رأي الأطباء، ويقول: «كنت أنظر في المرآة وأرى رجل ميشلان (إشارة إلى إعلانات إطارات سيارات ميشلان)، وفجأة أصبحت أبدو أقرب إلى كائن بشري وأقول.. أوه.. يا إلهي.. من أين جاء هذا الرجل؟». ديويل مسرور لقدرته على جس أضلاعه ورؤية العظام في يديه. ولكن لا شيء يغبطه مثل الرقم على الميزان 499 رطلاً (227 كيلوغراماً). إن وزنه لم ينقص عن 500 رطل منذ عشرين سنة. ديويل يخرج من المنزل يومياً الآن ويمشي قليلاً ويفكر بكل الأشياء التي يود أن يعملها يوماً ما. ويقول: «لقد أصبحت الحياة أفضل بما لا يقاس». وزن باتريك ديويل تخطى كل المقاييس والمفاهيم قبل أن يفق على ما يجري له. وقد صنفته سجلاته الطبيعية كسمين قبل أن يتعلم النطق والمشي. وعندما جاءت سيارة الإسعاف إلى منزله في هذه البلدة الصغيرة لنقله بعد 40 سنة كان قد أضحى منذ سنوات عديدة سجين أرطاله الفائضة. كان عاجزاً عن المشي وحضور مباراة كرة القدم - وأحياناً - حتى الجلوس في منزله الوالدي. وكان أيضاً لا يشعر بحرج في الحديث عن حاله. وعندما وصل ديويل إلى مستشفى افيرا ماكينان في سو فولز في ساوث داكوتا انشرح صدره للأضواء المسلطة عليه لأنه كان مصمماً على إثبات أنه ليس مجرد هامش في موسوعة غينيس للأرقام القياسية وإنه رجل يحمل الرسالة: «السمان يعانون بسبب نظام العناية الصحية ولأن شركات الضمان لا تعمل ما فيه الكفاية لمساعدته». كما انه أحب أن يكون مصدر إلهام للآخرين. يقول: «إذا كنت قادراً على تخفيف وزني أي إنسان يستطيع ذلك - وأعني أي إنسان. إن قوة إرادتي هي صفر». قصة ديويل حملت إليه منذ ذلك الوقت أكثر من 2000 رسالة بالبريد الإلكتروني ورسائل من أماكن بعيدة كالصين والمملكة العربية السعودية. وأصبح له وكيل أعمال وصور فيلماً وثائقياً بريطانياً. كما أنه يتحدث بجرأة - وأحياناً بالتنكيت عن سمنته. يقول: «يقول والدي انه كان مفروضاً أن يصبح طولي 260 سم إلا أنني توقفت عن النمو». ديويل، الذي أصبح في الثالثة والأربعين من عمره، كان مدمناً على الأغذية والوجبات السريعة، كالبيتزا ورقائق البطاطا واللحوم والهوت دو غز. كما كان يزدرد بعض الحلويات والعصائر الثقيلة. وفي حين أن تلك الأيام انقضت، لا يؤمن ديويل بالضبط وحرمان نفسه تماماً. إنه يمارس التمارين بالباريلز والأثقال إلا أنه لا يزال يدخن (خفف التدخين إلى علبة واحدة في اليوم)، قائلاً «انه لا يستطيع أن يقلع عن عادتين سيئتين دفعة واحدة. وهو يرفض بعناد أن يعتبر أي نوع من الأطعمة ممنوعاً لديه». يقول: «إذا كانت لديك شهية قوية ولا تلبيها ستقوى وتكبر وتكبر وتجعلك تقدم على عمل شيء غبي.. تلتهم ما تشتهيه بشراهة وإفراط». مرتين في الشهر يسمح ديويل لنفسه بتناول أطعمه يعتبرها معظم ممارسي الحميات الغذائية محظورة عليهم: قطعة شكولاتة وقطعة آيس كريم وكمية من الناتشو. ويقول ديويل: لقد خسرت مائة ورطلين خلال 70 يوماً وكنت آكل ما أشاء. قل لي إن ذلك خطأ.. بالنسبة إلي أسهل طريق للمحافظة على الرجيم وتجنب جنون الأكل هو أن آكل (لإشباع تلك الشهية) ثم أعود إلى البرنامج». الدكتور فرد هاريس الجراح الذي أجرى عملية تقطيب المعدة لديويل في الخريف الماضي، يتفهم ذلك، إلى حد معين. ويقول هاريس: «لا بأس من خرق الرجيم بين وقت وآخر. يجب أن تتناول قطعة شوكولاتة بين وقت وآخر، شريطة أن لا تحمل كيساً مليئاً بالشوكولاتة على الدوام». هاريس يتكلم انطلاقاً من خبرته الشخصية، فهو خضع لعملية تقطيب معدة بنفسه قبل ثلاث سنوات. من الناحية العملانية لا يستطيع ديويل أن يتناول الأطعمة بمقدار ما كان يفعل ذات وقت. فالعملية الجراحية قلصت حجم معدته من ثلاثة ليترات إلى أقل من نصف ليتر. والآن لا يستطيع أن يأكل ما يزيد على 100 إلى 200 غرام دفعة واحدة، وإذا تمادى يشعر بالألم أو يتقيأ. ويركز ديويل على الأطعمة الغنية بالبروتين وقليلة الملح والجبنة والفاصوليا والسبانخ والهليون والروبيان المسلوق واللحوم والمشاوي. وكل شيء على ما يرام حتى الآن. ويقول هاريس ان عملية تقطيب المعدة تنجح إذا خسر المريض 50 المائة من وزنه الزائد، وإن عملية ديويل تعتبر ناجحة حتى ولو يخسر أي رطل آخر من وزنه. وعندما يخفف ديويل أكثر من وزنه ينوي هارس أن يستأصل الغطاء الشحمي لبطنه (Panniculus) الذي يشبه المريول ويغطي الامعاء. وستزيل تلك العملية 40 إلى 70 رطلاً أخرى من وزنه. طبيبة ديويل في بلدته هي التي اتصلت بهاريس في السنة الماضية بعد أن زارته لترتيب معالجة طارئة لأسنانه المهملة وأيقنت على الفور أنه يحتاج إلى مساعدة أكثر وأسرع. ويقول هاريس: «أيقنا أن لدينا مريضاً مشرفاً على الموت. وقلت له ليس أمامنا أسابيع بل أيام أو ساعات». وحتى الآن، لا يزال ديويل يؤمن أنه كان يستطيع أن يخفف وزنه دون عملية جراحية. ومع حلول شهر تشرين الأول كان قد خسر 400 رطل من وزنه، ومعظمها من الماء. ويقول هاريس إن مشاكل سمنة ديويل ليست ناجمة كلها عن الشراهة والإفراط في تناول الطعام فقط، وهو مقتنع بأن السبب الأساسي الخفي للسمنة المرضية وراثي. ويقول: «بعض المشكلة طبيعي والبعض الآخر تطبُّع. إلا أن الأمر أشبه بأن ترغب في أن تكون لك عينان زرقاوان انما تحصل على عينين بنيتين وليس بوسعك أن تفعل شيئاً». ويقول الدكتور صموئيل كلاين، مدير مركز التغذية البشرية في معهد طب جامعة واشنطن في سانت لويس أنه يحتمل أن يكون 40 في المائة من التنوع الوزني له صلة بالوراثة. أما ديويل فيقول إن مشاكله بدأت عندما كان في شهره الثالث وتم تشخيصه كمصاب بالسمنة المرضية (بعض الخبراء الطبيين يقولون إنه ليست هناك طريقة لاجراء تشخيص كهذا في مثل تلك السن المبكرة). وتقول والدة ديويل، بيتي، إن الأطباء لم يقدموا لها أي مشورة ذات شأن، مع أن أحد هؤلاء حذر ابنها الصغير قائلا: «إذا لم تتخلص من بعض هذا الوزن فإنك لن تعيش لتصبح متقدماً بالسن». لا يعاني أي من والدي ديويل من السمنة، مع أن أحد أجداده كان يزن أكثر من 300 رطل (136 كيلوغراماً) وكانت والدته تعمل في مجال لبيع الأطعمة الصحية وتقول انه كانت تعد له وجبات صحية - الكثير من السلطة والكوسا - وكل ذلك لم ينفع. ومع وصوله إلى المدرسة الثانوية كان ديويل يزن 300 رطل ومع ذلك استطاع أن ينضم إلى الجوقة الغنائية ثم إلى الفرقة الموسيقية بفضل مهارته في العزف على الترومبون، ثم أخذ يعمل في المطاعم، حيث - كما يقول - استغل توفر الوجبات المجانية له واتخذ «الكثير من القرارات الفاسدة». وجرب ديويل كل أنواع الحميات الغذائية - وخسر 300 رطل بإحدى طرق الرجيم، إلا أنه توقف عن ممارسته لأنه لم يكن يملك ثمن شراء المتممات الغذائية. وفي أواسط الثمانينات سقط ديويل وأصيب بعطب في ظهره وأصبح معوقاً يعيش على مدفوعات الضمان الاجتماعي، وهذا شجعه أكثر على الحياة الساكنة الخاملة. إلا أنه حدث تحول إيجابي في حياة ديويل. فعن طريق الاعلانات المبوبة الشخصية في إحدى الصحف التقى باليزابيث رونيان، وهي أرملة كانت تعمل مرشدة دراسية. وقد اكتشفت اليزابيث أن ديويل يمتلك شخصية جذابة وله موقف إيجابي من الحياة مع أنه تعرض لضغوط نفسية شديدة. وتزوج الاثنان قبل عشر سنوات - وكان ديويل يزن 750 رطلاً آنذاك - واستمر وزنه في الازدياد ومحيط بطنه في الاتساع. الآن يستطيع ديويل أن يتجول برشاقة مستعملاً عكازين، وهو يأمل بأن يصبح محاضراً لحث الناس على تخفيف وزنهم، ومع أنه وعد في البداية بأن يخفف وزنه إلى 240 رطلاً (110 كيلوغرامات) فهو يقول انه سيقبل بوزن أكبر - ويتوقف ذلك على حالته الصحية. ومنذ الآن بدأ ديويل يخطط لمستقبله، فهو يريد أن يمارس هواية صيد الأسماك وحضور مباريات كرة القدم، و... أجل... قيادة سيارته إلى أحد المطاعم ليتناول سندويش البيض المقلي. ويقول ديويل: «كل ما أريده أن أتمكن أن أخرج وأعمل ما أود علمه. وعندما أصل إلى تلك النقطة سأكون حققت هدفي». وما هو جدوله الزمني لذلك؟ - «15 دقيقة على الأقل قبل موتي». ثم يضحك ديويل ويعيد النظر: - «ربما قبل نصف ساعة».