بعد رحلة طويلة مع السرد تضمنت خمس روايات وأربع مجموعات قصصية، انتظمت على ما يقارب ربع قرن، حيث بدأت مع عمله الأول (ظهيرة لا مشاة لها -1989م) جاءت رواية يوسف المحيميد الأخيرة موجهة للفتيان، أو لفئة الناشئة، بعنوان (رحلة الفتى النجدي – دار المفردة 2012) تناول فيها حكاية نجدية قديمة، بدأت مع مطلع القرن الماضي، تتبعت رحلة فتى في الخامسة عشرة من عمره، اختلفت عن رحلات رجال العقيلات، وإن كانت تشابهها في البحث عن الذات، حيث ينطلق الفتى ابن الإسكافي أو (الخرَّاز) كما يسمى في منطقة القصيم، بحثاً عن حلمه، في حكاية تشبه الحلم، أو في حلم يشبه الحكاية. هذه الشخصية الجادة والمرحة معاً:" كان صالح مزوحاً، يحبه جميع فتيان القرية، وقد كان يمازحهم بطريقته المحببة اللاذعة: لولا جلود أبي، ومطرقته، لكان أكثركم حفاة، يا حفاة! ثم يضحك بصخب، فيضحك الفتية الآخرون". كانت شخصية عصامية معبِّرة عن الشاب الناضج، الذي ركب البحر من عمان إلى شبه الجزيرة الهندية، ومارس عدداً من المهن، وتزامن تواجده هناك مع فترة الإضرابات في الهند، وقت أن كانت شخصية الزعيم الهندي المهاتما غاندي تقود الفقراء والعمال والفلاحين الهنود إلى استقلالهم عن الاحتلال الإنجليزي، فيتعلم منها الكثير. ما هي علاقة الفتى صالح الخرَّاز بالرجل ذي البشت الرمادي، وكيف استمع إلى نصيحة رجل ميت، وما العلاقة بين الأحذية الجلدية التي يصنعها وبين الخوف من جهة، وبين الحذاء الفضي اللامع من جهة أخرى، وكيف انتهت رحلته القاسية تلك، هو ما تكشف عنه رواية الصفحات المائة واثنتي عشرة صفحة التي جاءت فيه هذه الرواية. من فضاءات هذه الرواية المكتوبة للفتيان بلغة سلسة وبسيطة، وبأحداث متتالية، هذا المقطع: "لمح في الأعالي طيوراً تغرّد بصخب، فتذكَّر طفولته في القرية، حينما كان ينظر نحو السماء، محدّقاً في الغيم، وهو يشعر بدهشة من تلك الطيور التي تطير عموديًا فقط، لماذا ترتفع الطيور في لبّ السماء، ثم تحطّ نحو الأرض وكأنها أحجار؟ هل هذا هو تحليق الطيور، أم أن ذلك يحدث في القرى النجدية فقط؟ لماذا لا تسافر هذه الطيور البلهاء، وتطير أفقياً، وهي تملك هذه الأجنحة الجميلة؟ كان يسأل نفسه. حين كبر، وتعلَّم استخدام بندقية الصيد، أخبروه أن صيد هذه الطيور الحزينة حرام، وللمرة الأولى عرف اسمها، حيث تُدعى أم سالم، تطير عمودياً وتغني، قالوا له إنها ترتفع وتغني فرحاً بقدوم الربيع. لكنه لم يقتنع بذلك، كان يجزم بأنها ترتفع كي تستشرف الأفق، وتغني حزينة، بصوت يشبه النحيب، لأنها لا تستطيع مغادرة قرى نجد، ففي لحنها الباكي شغف الرحيل بعيداً، غير أنها مقيدة بالأرض والرمل، وربما بابنها سالم، الذي لم يره قط. بعدما سافر بعيداً، وخالط بدو الصحراء، ضحكوا من اسمها عند الحضر. وقالوا له بأنهم يسمونها "ملهية الرعيان" فهي تطير عالياً، وتطربهم بغنائها الحزين، حتى يلهو الراعي، ويغفل عن أغنامه القليلة، فتكون عرضة للذئاب المترصدة".