الأتراك سبقوا جميع أمم العالم بإعطاء كلمة شام معنى مقدساً. ولايزال شيوخ الأتراك حتى الآن لا يلفظون كلمة شام إلا ومعها نعت شريف، لتصبح الشام بالنسبة إليهم تساوي القدس ومكة والمدينة المنورة بيروت العريقة المتجددة في العصر العثماني هل تعود الى ممارسة دورها، وهل هي قادرة على تعويم مكانتها القديمة. لقد أحب سلاطين بني عثمان مدينة بيروت التي هاجر اليها عدد كبير من أفراد العائلة العثمانية الحاكمة واقربائها بعد انقلاب الزعيم التركي مصطفى كمال على الخلافة وسمي اثر ذلك ب أتاتورك اي أبو الاتراك. وقد أحب العثمانيون المنفيون مدينة بيروت حبا جما ولو كانت كلمة شام شريف بقيت دائما على لسانهم. فبيروت كانت اخت الشام وظلت في أدبياتهم أجمل ما في بلاد الشام اي سوريا الطبيعية كما كان يسميها البعض. ان حب العثمانيين والاتراك لمدينة بيروت وبلاد الشام كلها ظل بعد انقلاب اتاتورك على السلطنة والخلافة، بل ان كلمة شام شريف تضخمت وكبرت لتعني كل بلاد العرب ما عدا مصر والمملكة العربية السعودية. بل لعل الأتراك سبقوا جميع أمم العالم بإعطاء كلمة شام معنى مقدساً. ولايزال شيوخ الأتراك حتى الآن لا يلفظون كلمة شام إلا ومعها نعت شريف، لتصبح الشام بالنسبة إليهم تساوي القدس ومكة والمدينة المنورة. ولا يقتصر الامر على اللفظ، ففي شمال سوريا وجنوبي تركيا منطقة متمسكة بالتقاليد والمظاهر الاجتماعية والدينية المتشابهة الى حد التماثل بين سكان المنطقتين السورية التركية رغم الحدود بينهما. والواضح ان هذه المنطقة الحدودية المشتركة حريصة جدا على طابعها الديني، فالاتراك والسوريون حريصون جدا على احترام ظواهر التدين مما تحمس له سكان المنطقتين في الوقت نفسه. ولعل تركيا وسوريا يتباريان في اسباغ الطابع الديني على هذه المنطقة السورية التركية وذلك بشكل واضح بل بادي الوضوح في الروحية الاحتفالية الدينية. ويلاحظ مثلا خلال شهر رمضان الكريم انه دائما ما تظهر تركيا وكأنها خالصة الاسلام بعيدا عن التأثر بالدعاية التي تريد وصف تركيا بانها قلعة علمانية. ان الاتراك دخلوا رسميا ومازالوا خانة الشعوب الاسلامية، بل ان أشهر علماني في العالم وهو مصطفى كمال، حاكم تركيا وزعيمها الاوحد لعشرات السنين، ولعله ليس بين زعماء العالم من يزاحمه في بزة العلمانية، ومع ذلك لم يعامل رئيس كمعبود شبه ديني مثلما عومل مصطفى كمال الحائز على لقب ابو الاتراك والدكتاتور المطلق الذي لا يختلف لا عن هتلر ولا عن موسوليني، وتعترف تركيا بزعامته المطلقة وتسميه الباشا. فهل هذا دليل على ان تركيا انقلبت على الديموقراطية ام ان تركيا كوطن شرقي ادركت ان الثورة من أجل الثورة ليست هي المطلوبة لتركيا الحاضر والمستقبل، لا كرها بالديموقراطية، بل لانها ترفض ان يكون الطبيب المطلوب لامراض الشرق الا ان يكون شرقيا. لا مسافرا بلا وعي لعالم الغرب. ان احدا واعيا ومثقفا لا يستغني عن قدرات الغرب، ولكن لا أحد يقول ان التغرب هو دواء لجراح الشرق ومتاعبه. بل المطلوب هو اشراك الشعب بالقرار الوطني، بل جعل القرار في يد الشعب. ان الزعامة الشعبية هي التي يجب ان تسير البلاد. ان تركيا تحكمها الارادة الشعبية المجسدة بالتركي الاول الحاكم كابن الشعب الكفؤ والقادر، اي ان الحاكم الموجود حاليا هو ابن الشعب المفوض من الشعب والقادر على تنفيذ ذلك بكفاءة واستبسال. انها ديموقراطية ولكن مع زعامة قادرة ومجربة. ان الحاكمين في تركيا اليوم هم الكماليون ولو كانوا اسلاميين، اي انهم السائرون على خطى كمال ومعتقداته، ليس الحكم في تركيا الا مزيج من الارادة الشعبية والزعامة المثقفة والقادرة. حكم الشعب بالشعب ولصالح الشعب ولكن من خلال قدرات الزعامة الديموقراطية، وكلمة قدرات هنا مستعملة بمعنى "المجربة" فالرئيس التركي ابن تجربة طويلة وعميقة. فيها تقدير للرئيس القائد ولكن آتية بالارادة الشعبية. الديموقراطية هي الجانب الابرز وشخص الرئيس ككفاءة وشهرة هو العنصر الاخر. هل هي الديموقراطية الرشيدة كما سماها صحافي تركي معروف. فتركيا من الشرق ولكن من دون اهمال القدرة على الحكم بمعنىالزعامة الرشيدة والمتصلة بالنخب في الوقت ذاته. فلا احد خارجي يرسم الطريق لتركيا لان الحكم فيها مدرك لموقع بلاده على الخارطة السياسية ليس مع دول الجوار العربي فحسب بل مع باقي دول العالم. فتركيا أصبحت حاجة دولية واوروبية بما تمثله من نقطة تواصل وهي القادرة على الامساك بورقتي الشرق والغرب والاسلام والعلمانية، فتشرح للآخر ما فاته من فهم للآخر المختلف. ويقول رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ان انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، سيكون ترياقا لداء العنصرية العضال الذي يشكل ناقوس خطر كبير في النادي الأوروبي، بل وسيقوي من أرضية التسامح، ويقوي من ثقافة التعايش بين جميع الأطياف والأجناس. وذلك جاء في الكلمة التي القاها أردوغان أمام أعضاء هيئة تدريس جامعة "ELTE" المجرية. ويوضح أردوغان أن أوروبا تمر بمشاكل خطيرة في الوقت الراهن، وبها بعض التهديدات الكبيرة، مضيفا أن انضمام تركيا إلي الاتحاد الأوروبي "سيكون فيه إضافة له لا انتقاص من، بل وسيتسع أفقه أيضا". وتابع أردوغان "انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي فرصة كبيرة تقدم للأوروبيين على طبق من ذهب لفهم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لأننا سنكون بمثابة جسر تواصل بينهم وبين العالم الإسلامي الذي يبلغ تعداده مليار ونصف المليار مسلم". ولا ينكر أحد على مصطفى كمال دوره في التاريخ التركي اذ هو حصره في بعض الجمهورية بينما العظمة كانت في السلطنة العثمانية حينما كانت تركيا تعتبر دولة عظمى من دول العالم كفرنسا وبريطانيا والمانيا وبلغت مكانة لم يعرفها العالم الاسلامي منذ ايام هارون الرشيد، وحول اتاتورك بلاده من اول دولة في الشرق الى آخر دولة في الغرب، وها هي اليوم تستعيد بعض امجادها ويبقى المجد الاكبر خبرتها ومعرفتها بدقائق المنطقة العربية.