من الخاسر الأكبر في العزوف عن الاستثمار في المشاريع السكنية الكبرى؟ المواطن بالدرجة الاولى ثم العاملين في السوق من مستثمر ومطور وممول ومسوق وأخيرا الدولة التي ستتحمل عبء أزمة السكن ومواجهة الضغط الشعبي لحل المشكلة. اهم المحفزات التي تدعم الاستثمار في هذا القطاع الآمن وجود طلب حقيقي على المساكن، كبر الفجوة بين العرض والطلب على الاقل للخمس سنوات القادمة، وجود سيولة كبيرة لدى البنوك وشركات التمويل ومؤسسات وإفراد بمئات المليارات معطلة ومجمدة في اراض بيضاء أوحسابات جارية، كثافة سكانية عالية ثلثاهم من الشباب، وجود اراض بيضاء غير مطورة بملايين الامتار المربعة. أخيرا وأهمها وجود استقرار سياسي واجتماعي واقتصادي وعدم تأثر المملكة بالأزمة المالية العالمية وتنامي ميزانيات الدولة سنويا وضخها في مشاريع تنموية وبنى تحتية عملاقة. هذه المحفزات والمعطيات لسوقنا العقاري توحي بأنه يمكن أن يكون أفضل قطاع اقتصادي يحرك السوق ويسهم في نمو الدورة الاقتصادية في المملكة لو تم التعامل معها باحترافية. وهي حقائق تجعل أي استثمار في القطاع العقاري ناجحا مهما كان نوعه ورغم ذلك فجميعها لم تحرك السوق ولم تجعل القطاع الحكومي المعني بقطاع الاسكان وعلى رأسها وزارة الاسكان ووزارة الشؤون البلدية ولا القطاع الخاص الخامل يتحرك ويتفاعل معها. هذا التجاهل أدى الى أن نعيش مجموعة من المثبطات بدل التحفيز للاستثمار نتج عنها ازمة سكن سببها ارتفاع الاسعار والتي تتجاوز قدرة المواطن على الشراء اذا قورنت بمستوى الدخل قابلها ارتفاع في الايجارات بدون مبرر. وتحول السوق الى المضاربة في الأراضي، والتطوير المؤسسي تحول الى تطوير فردي يعتمد على أفراد ينتظرون القرض العقاري او تمويل البنوك ويبنون مساكنهم بأنفسهم وهنا ندخل في نفق التكاليف العالية والجودة وإشغال الدوائر الحكومية ومشاكل العمالة والبناء العشوائي ونقص الخدمات وافتقاد الاحياء السكنية المنظمة والمتكاملة الخدمات. الحقيقة هي أن السوق العقاري يعاني العديد من الأزمات المفتعلة من مؤسسات وأفراد هم أساس المشكلة ولا يمكن ردعهم إلا بقوانين صارمة ورادعة ولابد ان تأتي من الدولة. دبي مثلا واجهت أزمة مالية عصفت بها اقتصاديا عقار واسهم وتجارة وصناعة ومعارض واستمرت اربع سنوات إلا انها تماسكت بسبب وجود بنية تحتية قوية ومشاريع عقارية وسياحية وصناعية وتجارية وقبل هذا رؤية ثاقبة مكنتها من الصمود وتحولت هذه المشاريع الى وسائل جذب سياحية وتجارية تدر ذهبا وهي مسألة وقت لتعود أفضل من السابق. ليس هناك جهة يمكن أن تتحمل عبء حلحلة المشكلة وتفكيك مفاصل المنتفعين من هذه الأزمات وسن القوانين وفرضها ليعود التوازن الى السوق سوى وزارة الاسكان وإلا سنظل تحت رحمة الاحتكار والمضاربة والأسعار الملتهبة.