لدينا نظام إداري يحدد تقسيمات ودوائر المملكة إلى إمارة، ومقاطعة ومحافظة، وكلّ منها تأسست فيها إدارات وفروع للوزارات والمؤسسات الحكومية كالتربية والصحة والشرطة والكهرباء والمواصلات والاتصالات وغيرها، وطالما تعمل تلك الإدارات ضمن مركزية الوزارة أو المؤسسة، وتدرج ميزانياتها كجزء من الاحتياجات التي تقدمها تلك الجهات، فإن الإجراءات أصبحت تُعقد انسيابية وحركة العمل عندما تضطر لمخاطبة الجهة المركزية بأي عمل يتطلب الحلول السريعة، وهذا كان سائغاً قبل أن تحل التقنيات الحديثة معظم أو كل العمليات، وتقلص زمنها إلى الحدود الدنيا.. في تلك المناطق إمارات يختلف حجم كل منها وفقاً لاتساع جغرافية إدارتها، وطالما تشرف على حركة العمل، فإن دمج تلك الإدارات بها ومنحها صلاحيات الأجهزة المركزية وفق نظام تحدده الدولة، سواء وضع مجلس وطني لها، أو تركت تمارس كامل صلاحياتها، سوف يوفر على الدولة إنهاء تلك المركزية بما فيها جهاز المراقبة بواسطة التقنيات المعاصرة من قبل جهة التخطيط والمراقبة.. الفائدة هنا لا تنحصر فقط في تسهيل العمل، وإنما توحيد الاجراءات والتخلص من تراكم «الروتين» الذي خلق تعقيدات للدائرة الصغيرة مع الأكبر، وهذا سوف يوفر الوقت، ويبني الثقة بين المركز والفرع بحيث يتعاملان في نطاق النظام، ولا نعتقد أن مَن في الوزارات أو المؤسسات الأخرى أكثر جدارة من العاملين في نطاقها حتى لو اختلفت المراتب الوظيفية، خاصة بوجود كفاءات مميزة دفعت بها البعوث والجامعات والخبرات التي اكتسبوها من خلال الممارسات للعمل والتدرج فيه.. المركزية، واللامركزية مثار جدل طويل في علم الإدارة، كلّ يحاول أن يدافع عن وجهة نظره وسلامة تفكيره، وفي حالنا فإن المركزية في رسم السياسات العليا أمرٌ لا غبار عليه، لأنها تدخل في دائرة الاختصاصات الكبرى، لكن في حال أعمال الفروع، فإن اللامركزية تحررها من عبء الدورة الطويلة، كمسائل التعيين، وتلزيم المشاريع الخاصة بالمنطقة، وحرية الشراء للاحتياجات ضمن الاعتمادات الخاصة، وكذلك التنسيق مع الدوائر ذات العلاقة معها، خاصة والدولة رفعت مستوى إنفاقها الداخلي بمئات المليارات، ولابد، من أجل تنفيذ تلك المشاريع، من المرونة في العمل، ويكفي أن الشكوى من بطء الإنجازات وإعاقتها ناشئة عن سوء الإدارة بالهيئات الحكومية التي حصرت صلاحياتها بالمركز فقط دون أن تمنح فروعها ما يمكن عمله بدون التعقيدات التي لا تزال تمارسها الوزارات، ودون تجديد لهيكلة إداراتها وتطويرها.. فتجربتنا مع مركزية العمل والقرار، أدت إلى الاتكالية، واللامسؤولية والتخلي عن أي دور يطلب من المركز والفرع، وبالتالي ففي ظل تباعد المناطق واتساع جغرافية المملكة، ووجود الوفرة المالية والكفاءة الإدارية، فإن تفتيت «البيروقراطية» تفرضه التزاماتنا التي أرادت الدولة أن تضعنا على طريق النجاح بقطع الطريق في أسرع وقت..