من بين تجارب دول الخليج الست في توطين وظائف القطاع الخاص، ضمن برامجها التي ابتدأت منذ منتصف التسعينات، لم يحالف النجاح، من وجهة نظر الدراسة التي قام بها البنك الدولي بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والتخطيط عن سوق العمل في المملكة، سوى تجربة كل من عمان والبحرين مقارنة ببقية منظومة دول مجلس التعاون الأخرى بما فيها المملكة. فالدراسة حين تطرقت إلى برامج التحفيز والتوظيف في سوق العمل المحلي بالمملكة التي منها برنامج (نطاقات) ذكرت في معرض تقييمها للبرنامج أنه أوجد نوعاً من التوطين الوهمي للوظائف حيث أوضحت أن شركات ومؤسسات القطاع الخاص قد أجبرت على توظيف كوادر بتخصصات لا ترغب بها، وقبلتها على مضض، دون إيجاد عمل فعلي لها، فبينما يقدر ما يولده سوق التوظيف ضمن القطاع الخاص في المملكة بحوالي 200 ألف وظيفة سنوياً، نرى أنه لا يتاح للمواطنين منه سوى 20 ألف وظيفة، أو ما نسبته «10 %» فقط بالعام الواحد، منتهية تلك الدراسة بنتيجة محورية تتلخص في أن توطين الوظائف وزيادة مشاركة السعوديين لن يتحققا طالما استمرت الفجوة في رواتب القطاعين الحكومي والخاص، إضافة إلى الاستمرار في تبني نظام حماية العمل (الكفالة) الذي ترى الدراسة أنه يدفع أصحاب الأعمال إلى تفضيل غير المواطنين بسبب تدني رواتبهم، داعية إلى الاستفادة من تجربة كل من عمان والبحرين اللتين تمكنتا من تحقيق زيادة جوهرية في نسبة التوطين للوظائف لدى القطاع الخاص مقارنة بالمملكة، مرجعة نجاح تلك التجربتين إلى القدرة على تقليل فجوة الرواتب بين القطاعين الحكومي والخاص، وزيادة قدرة العمالة الوافدة على المنافسة عبر منحها حرية التنقل لتكون أقل جاذبية لصاحب العمل حين تقارن بما يناظرها من المواطنين، وتؤدي تلقائياً إلى تقليص أعداد العمالة غير المؤهلة والمدربة، حيث أن نظام حماية العمل (الكفالة) وفق ما تستنتجه الدراسة يدفع إلى استقدام عمالة رخيصة بشكل غير محدود وفي ذات الوقت لا يسمح بانتقال وتداول العمالة محلياً، الأمر الذي يترتب عليه تضخيم أعداد العمالة الوافدة، كما هو الحال في المملكة، مستفيداً هذا القطاع من ممارسة أنشطته عبر عمالة وافدة رخيصة الأجر، وتحمل المجتمع تكاليف البنية التحتية وتوفير الخدمات لتلك العمالة دون مقابل. قطاع التشييد والبناء لدينا في المملكة يضم نحو مليون عامل، لا يمثل المواطنون منهم للأسف سوى نسبة 10 % فقط، يشغل معظمهم وظائف إدارية ومالية أو نحوها، في الوقت ذاته يشكل غير السعوديين في هذا القطاع نحو 20 % من إجمالي القوى العاملة الوافدة، التي تنفق المملكة على توفير المرافق والخدمات لها ما يصل إلى أربعين مليار ريال سنوياً، تقابلها تلك العمالة بتحويلات تربو على المئة مليار ريال في كل عام، لا يكاد الاقتصاد المحلي أن ينال منها شيئا يذكر، فهل يمكن أن تستوحى التجربة العمانية والبحرينية التي أشارت لهما تلك الدراسة في قطاع البناء والتشييد تحديداً عبر تحرير سوق العمل في هذا القطاع، والحد من فارق التكلفة بين العمالة الوافدة والمحلية ضمن نطاق أنشطته، فهذا القطاع وإن زادت تكاليف الأيدي العاملة ضمن مجالاته مرحلياً، فسوف يقوم بتعويض ذلك على المدى الأبعد، من خلال تحسين كفاءة منشآتنا وإطالة عمرها الزمني وتحقيق التوطين للوظائف في هذا القطاع ولو بحده الأدني، إلى حين التوطين الكامل لتلك الوظائف على نحو ما كان عليه مجتمعنا في هذا المجال قبل أن تتدفق عليه عوائد النفط.