لم أتخيل قط أن تكون لندن.. عاصمة مدن العالم بكل ثقافاتها وأطيافها وأجناسها المجتمعة فيها مسرحاً يوماً ما لتفجيرات إرهابية رغم أن الظاهرة الدموية وأصحابها المتطرفين يملأون جغرافيا الأرض صراخاً ودماراً ودموية. لم أتوقع رغم أننا ندرك تماماً بأن الإرهاب لا وطن له لكنك إن عشت أو مررت بتجربة الحياة في مدينة مثل لندن تكاد تختفي فيها وجوه أبنائها من كثرة الأجانب المقيمين وكلهم ينتمون إلى نفس الاسلوب الحضاري التي تميزه ديمقراطية التفاعل الإنساني.. تسترجع المظاهرات الهائلة التي تمت من أجل رفض حرب العراق.. الانفتاح الإعلامي والفكري الذي يميز صحافتها فيما يخص هموم الشرق الأوسط وقضاياه.. وتاريخ طويل من التعايش لا يمكنك إلا أن تحترم هذا الكيان. إنهم بالفعل من أكثر المجتمعات الأوروبية فهماً وتعاطفاً مع الثقافات الأخرى والانتماءات الدينية حيث لا اختلاف ولا تباين يسبب الرفض أو الإساءة لأحد.. تمشي في شوارعها صيفاً أو شتاءً وتواجه تلك القوافل من الجنسيات الزائرة ملابسها التراثية التي تثير الضحك أو الدهشة لكنك تخجل أن يراك أحد مندهشاً.. تقابلك وجوه تغني أو تحدّث نفسها.. ايضا لا تعليق.. وتسير مع أبنائك.. أطفالك كيفما كانت وجهتك.. هيئتك.. ميولك.. أنت حر.. ومقابل هذه الحرية يتوقع منك أن تحترم النظام والآخرين وثقافاتهم ولن يعاملك أحد بدونية أو عنصرية.. وتتساءل.. كيف يمكن تبرير هذه الدموية في بلد يحتوي كل هذه الأجناس والأعراق؟ أليس ما حدث هو محاولة إعادة بطيئة لنوبات الشك والكراهية لكل المسلمين؟ لماذا الآن وتداعيات 11 سبتمبر على وشك الخفوت نفسياً على الأقل، هل يريدون إشعال مسلسل الكراهية من جديد؟ من المستفيد؟ هل حقاً يستطيع الإرهاب أن يملي شروطه على واقع الشعوب والحكومات؟ ندرك بالطبع بأنه لا تحليل بإمكانه استيعاب لغة الإرهاب سواء في وطننا أو العراق أو لندن أو غيرها.. وكل المؤشرات سوف تضع قائمة مبررات أخرى عن التي تليها.. وفي النهاية نجد أن هناك دماراً وضجيجاً ودموية فقط!! لندن واجهة الغرب المتفهم لا تستحق ما حدث لها ، وشعبها الذي تعلم من تجربة الاندماج مع كل ثقافات العالم لم يهول ما حدث ولم يغير من اسلوب تعامله الحضاري مع المسلمين.. ونحن الذين عبرنا تجربة سنوات طويلة من التعايش الودود مع الشعب البريطاني سواء هنا بالمملكة أو في بريطانيا ندرك رغم الأسى للتفجيرات التي طالت الأبرياء كالعادة بأن الحرب على الإرهاب مشوار طويل يتطلب ان يتحد العالم كله من أجل محاربته كي تعيش الشعوب في سلام وليعود نقاء وروحانية الدين الإسلامي وتسامحه عنواناً لكل انتماءات المسلمين في كل مكان وليس لغة الترويع والهدم!