بين آونة وأخرى، تظهر أفكار جديدة لأشخاص يريدون تجربة نظريات في علاج أو تطوير أو تنشيط الفكر البشري، وهذا شيء جميل وعمل يحمد لمن يقوم به صنيعة ، لكن المشكلة أن ليس كل من حاول ابتداع نظرية ينجح وتصبح نظريته او نظرياته في هذا التجديد امرا صحيحا وذا فعالية فيما كان ينشده. ولعل من أكثر العلوم التي يحاول الاشخاص الابتداع فيها هو التطوير البشري، ولكن يختلط الأمر وينجح الباحث او صاحب النظرية عما كان يريد ويدخل في متاهات ودهاليز يصعب عليه التخلص من التيه فيها والخروج من هذه المتاهات والدهاليز الى حيز الضوء وأن ترى نظرياته مكاناِ لها في الخضم الهائل من النظريات في العلوم الانسانية، خاصة في علم النفس وعلم الاجتماع وعلم دراسة الانسان( الانثروبولجيا). وربما تحت وطأة التشويش الذي يعيشه المبتدع وصعوبة الانسحاب والاعتراف بعدم جدوى ماقام به من عمل فإن الامور تختلط ببعضها. والآن اصبح هذا المجال ساحة واسعة يركض فيها كل من يريد ان يتكسب مادياً أو يرغب في الحصول على شهرة واضواء تسطع حوله، فتجد كثيرا من النظريات والاطروحات في هذه العلوم ليست إلامجرد تجارب بدائية، ولكن في عصر أصبح من السهل فيه نشر الافكار والنظريات عبر وسائل الاعلام والنشر المتعددة، وجد الكثيرون من الاشخاص مجالاً لتسويق بضاعته حتى وإن كانت رديئة، وليست ذا نفع او ليس وراءها فائدة للبشرية، بل إنها قد تكون ضارةً اكثر مما تنفع. قبل فترة من الزمن ظهر شاب وسيم ملتح، يدعي أنه يستطيع علاج اكثر الامراض صعوبة بدءاً بالأصعب وهو مرض نقص المناعة المكتسبة (الايدز)، مروراً بتليف الكبد وعلاج التهابات الكبد الوبائية، خاصة الالتهاب الاشد فتكاً بالكبد وهو الالتهاب الكبدي الوبائي ج (Hepatitis C )، وتقاطر الناس على هذا الرجل المعجزة الذي يشفي اصعب الامراض خلال فترة وجيزة. ومن ضمن الامراض التي تعرض لعلاجها واعتبر انه اكثر نجاحاً فيها هي الاضطرابات العقلية كالفصام والاكتئاب الشديد والاضطراب الوجداني ثنائي القطب، رغم عدم تسميتها بأسمائها العلمية ولكن كان يتحدث بكل ثقة بأن مركزه الذي افتتحه في احدى عواصم دول الخليج العربية يعالج جميع الامراض، ويذكر اسماء اشخاص ذوي مكانة اجتماعية تعالجوا عنده من اصعب الامراض التي عجز الطب أن يعالجها بما في ذلك الاورام الخبيثة (السرطان) بشتى انواعه، وإن هناك دراسات..!!! لما يقوم به من علاجات ناجحة لهذه الامراض.المشكلة الكبرى أن الفضائيات العربية فتحت له ابوابها واصبح يتحدث بكل ثقة واقتدار على اقناع البسطاء بل حتى المتعلمين واصحاب الشهادات العالية اقتنعوا بما كان يقول، وعن معجزاته في عالم علاج الامراض المستعصية والمزمنة، دون أن يكون هناك منهج واضح علمي أو حتى غير علمي..! كان الموضوع احاديث يتكلم عن هذه الامراض الصعبة وعن كيفية علاجها بسهولة دون أن يحدد بشكل دقيق كيف قام بتقييم عملية نجاح علاجاته، وهو يتحدث بطريقة غاية في البساطة والعموميات دون الدخول في التفاصيل، غير كلماته المعسولة.. المغرية لأي شخص يعاني من مرض مزمن بأن يتصل بالمركز او المعهد لأخذ موعد مع المعجزة التي ظهرت في احدى العواصم الخليجية، لتنشر في جميع دول الخليج بصورة ليس لها مثيل خاصةً وأنه يظهر في التلفزيونات الرسمية ويتحدث الناس عن قدرته الخارقة في علاج الامراض المستعصية.. ولكن أخيراً سقط القناع..! وكما يقول إخواننا اللبنانيون «مابيصح إلا الصحيح..!»..فتركه الناس بعد أن ادركوا انهم مرة آخرى بعد المرات الكثيرة التي وقعوا فيها ضحية لعمليات نصب متقن.. مدروس نجح لفترةً لكن يصعب الاستمرار في الخطأ اذ لابد أن ينكشف الجهل واللعب بعقول الناس تحت نظر الاجهزة الرسمية المسؤولة عن صحة المواطن..! هذا الموضوع سقته هنا لأن أحد الزملاء سألني عن دورة تقام تحت مسمى لا علاقة لها بالعلاج أو الطب ولكن الاساس كان فيه التركيز على علاج اضطربات القلق، وبالذات الرهاب الاجتماعي، نظراً لأن هذا الاضطراب منتشر في دول الخليج بشكل كبير والاشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب مستعدون أن يعملوا أي شيء لكي يخرجوا من سجن هذا الاضطراب المزعج والذي يجعل الانسان يعيش اسيراً لأعراض هذا الاضطراب الذي يؤثر على حياة الفرد الاجتماعية والعملية والاسرية والتعليمية.. آخر ماوصلت اليه هذه الدورة التدريبية التي مدتها بضعة أيام ورسوم التسجيل بها الفان وثمان مائة ريال.. لكي تعالج الاشخاص الذين يعانون من الرهاب الاجتماعي بقطعة سكر، يبقيها الشخص الذي يعاني من هذا الاضطراب لفترة زمنية محددة، وبعد هذه الدقائق التي يبقي فيها قطعة السكر في فيه فإنه يبرأ من كل الخجل والاعراض الاخرى للرهاب ويصبح حراً طليقاً.. جرئياً يخطب في التجمعات ويقابل اكبر المسؤولين دون ادنى رهبةً، ويأكل في المطاعم المكتظة بخلق الله وهو بكامل الثقة بالنفس.. إنها فعلاً عملية رائعة أن تضع قطعة سكر في فمك لبضع دقائق وتتخلص من الرهاب الاجتماعي..! ليس هناك فرق بين من يدعي علاج السرطان والالتهابات الكبدية بطرق بدائية وبين من يوهم المرضى باضطراب الرهاب الاجتماعي بأنه بقطع سكر يحل جميع مشاكلهم.. هل هناك اسهل من هذا لابتزاز البسطاء..! من يحمي مثل هؤلاء البسطاء من العناوين الرنانة بالصحف والاسواق والمجلات التي تخلب عقولهم يركضون الى هذه الدورات ما دام انها تقام تحت سمع وبصر الجميع..!!