إن الأسرة الدولية معنية بالتكاتف في دعم الشعب الأفغاني، وتطوير مؤسساته الوطنية المختلفة، وجعل الأمن والازدهار في أفغانستان حقيقة قائمة. وهذه مسؤولية لا تقتصر على الغرب دون الشرق، أو دولة دون أخرى تناول الرئيس الأميركي، باراك أوباما، مستقبل الوجود الأميركي في أفغانستان، في خطابه عن حالة الاتحاد، الذي ألقاه يوم الثلاثاء، الثاني عشر من شباط/ فبراير 2013. وأوضح أوباما أن القوات الأميركية ستتحول هذا الربيع إلى مهام الدعم، بينما تتولى قوات الأمن الأفغانية الدور القيادي للعمليات، في عموم الأراضي الأفغانية. وقال أوباما: يُمكنني أن أعلن أنه على مدى العام القادم سيعود 34 ألف جندي أميركي آخرين إلى الوطن من أفغانستان. هذا الخفض لعدد الجنود سيستمر. وبحلول نهاية العام القادم ستكون حربنا في أفغانستان قد انتهت. وأشار أوباما إلى أنه بعد العام 2014 سيستمر التزام أميركا بأن تكون أفغانستان موحدة وذات سيادة، لكن طبيعة الالتزام الأميركي ستتغير. وأضاف: إننا نتفاوض على اتفاقية مع الحكومة الأفغانية تركز على مهمتين: الأولى تدريب وتسليح القوات الأفغانية حتى لا تنزلق البلاد مرة أخرى إلى الفوضى، والثانية تعزيز جهود مكافحة الإرهاب. وقد شرع الجيش الأميركي، في العاشر من شباط /فبراير الجاري، في سحب معداته من أفغانستان. ودخلت قافلتان تحمل كل منهما 25 حاوية إلى باكستان، قادمتين من قاعدة باغرام، التي تُعد أكبر القواعد الجوية الأميركية في أفغانستان. وتزامن هذا الانسحاب مع تولي الجنرال الأميركي، جوزف دانفورد، مهامه على رأس التحالف الدولي في أفغانستان، خلفاً للجنرال جون ألن. ويفترض أن يكون دانفورد آخر قائد للقوات الأميركية هناك. وينشر حلف شمال الأطلسي (الناتو) حالياً مائة ألف جندي بأفغانستان، بينهم 68 ألف جندي أميركي. وسيتم اتخاذ قرار بشأن حجم القوة الأميركية التي ستبقى بعد عام 2014 قبل أي إعلان بشأن سرعة الانسحاب. ومنذ البدء، قضت خطة الرئيس أوباما ببدء انسحاب تدريجي من أفغانستان، اعتباراً من منتصف العام 2011، على أن يكتمل نهاية عام 2014. وهناك احتمال لمرابطة ما بين ثلاثة آلاف وتسعة آلاف جندي أميركي بعد ذلك التاريخ. وفي قمة الناتو، التي عقدت في شيكاغو في العام 2012، اتفق زعماء الحلف على أن تتجسد مهمة القوات في أفغانستان بعد العام 2014 على عمليات مكافحة الإرهاب، وتدريب ومساعدة القوات الأفغانية، ودعم العمليات الدبلوماسية والتنموية التي تقوم بها الولاياتالمتحدة. وتُمثل إقامة جيش وطني، متوازن عرقياً، تحدياً كبيراً، خاصة في ظل قلق البشتون مما يعتبرونه هيمنة طاجيكية على حكومة الرئيس حامد كرزاي. وقد تعرض الجيش الأفغاني في بداية مساره لحالات انسحاب للجنود على نطاق واسع، بدءاً من مدرسة التدريب، وحتى الوحدات التي يتم نشرهم فيها. وقد كلفت عمليات التدريب التي تقودها الولاياتالمتحدة مبالغ كبيرة على مدى سنوات، وبلغت ميزانيتها في العام 2011 وحده 11.6 مليار دولار. ويرى الجنرال جون ألن، أن قوات الأمن الأفغانية أحرزت تقدماً أسرع من المتوقع، وستكون جاهزة لتسلم المهام الأمنية بعد انسحاب القوات القتالية الأجنبية. وأن هذا التطوّر قد ساهم في اتخاذ قرار تسريع سحب القوات من البلاد. وقال ألن، في تصريح نقلته شبكة "ايه بي سي" الأميركية، في 30 كانون الثاني/ يناير 2013، إن قوات الأمن الأفغانية، التي يبلغ قوامها حالياً 352 ألف عنصر، مازالت في حاجة لبذل مزيد من الجهود لتعزيز قدراتها القتالية، وهي تقوم في الوقت الراهن بقيادة 80% من إجمالي العمليات الدائرة في البلاد. وفي حين انخفض عدد القتلى والجرحى المدنيين بنسبة 4% في الأشهر العشرة الأولى من عام 2012، مقارنة مع الفترة ذاتها من العام 2011، فإن الهجمات التي تشنها المجموعات المسلحة المختلفة زادت بنسبة 53% في النصف الأول من العام الماضي. وفي 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، بدأت الولاياتالمتحدةوأفغانستان مفاوضات خاصة بتوقيع "اتفاقية وضع القوات" الأميركية، التي ستبقى بعد انسحاب القوات الأطلسية عام 2014. وكانت الولاياتالمتحدة قد وقعت اتفاقيات مماثلة مع كل من العراق واليابان وألمانيا وإيطاليا وكوريا الجنوبية. إلا أن مضامينها تفاوتت بين دولة وأخرى. وتناولت المفاوضات الدائرة مع كابول العدد المرجح للقوات التي سيجري الاحتفاظ بها، لأغراض التدريب والاستشارة والمهام الخاصة. وكذلك وضعها القانوني، وطبيعة علاقتها بالسلطات الأفغانية. وأكدت الولاياتالمتحدة للسلطات الأفغانية بأنها لا تسعى للاحتفاظ بقواعد عسكرية دائمة (بالمعنى المتعارف عليه). كما يُرجح أن تتحفظ واشنطن على فكرة توقيع اتفاق دفاعي خاص. وكانت الولاياتالمتحدةوأفغانستان قد وقعتا، في الأول من أيار/ مايو 2012، اتفاقية شراكة استراتيجية، حددت ملامح العلاقة طويلة الأمد بين البلدين. وبموجب هذه الاتفاقية، تتعهد كلّ من الولاياتالمتحدةوأفغانستان بتعزيز التعاون الإستراتيجي طويل الأمد في المجالات ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك "الإسراع بإرساء السلام والأمن والمصالحة، وتعزيز مؤسسات الدولة، ودعم جهود التنمية الاجتماعية والاقتصادية في أفغانستان، وتشجيع التعاون الإقليمي". وفي حين تبدو القوات الدولية على أهبة المغادرة، فإن أفغانستان ذاتها لا تزال بعيدة عن بناء الدولة، وتحقيق الحد الأدنى من تطلعات أبنائها. وتعد الدولة الأفغانية أكثر دول العالم اعتماداً على المعونات، إذ تتلقى مساعدات تبلغ قيمتها نحو 15.7 مليار دولار سنوياً، وهذا رقم قريب من مستوى الناتج المحلي الإجمالي. ومن بين المعضلات المزمنة التي تواجه الدولة الأفغانية العدد الكبير من النازحين واللاجئين، في الداخل والخارج، الذين تشردوا بفعل أربعين عاماً من الصراع. ووفقاً لتقارير الأممالمتحدة، يصل عدد النازحين داخلياً جراء النزاع إلى أكثر من 460 ألف شخص، كما فر آلاف آخرون من منازلهم بسبب الكوارث الطبيعية. كذلك، يبلغ عدد اللاجئين الأفغان خارج بلادهم 2.7 مليون نسمة، يعيشون بصفة أساسية في إيرانوباكستان. وهذا هو أكبر عدد للاجئين في العالم. وعلى الرغم من أن الصراع قد دام نحو أربعة عقود، فإن التقارير الدولية تشير إلى أن ثلث النازحين داخلياً قد سُجلوا حديثاً، أي أنهم نزحوا في الأشهر ال 12 الماضية. ويعيش غالبية النازحين في خيام أو في مساكن بسيطة مصنوعة من الطين. وفي حين تتحمل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مسؤولية النازحين داخلياً جراء الصراع، تقع إغاثة النازحين بسبب الكوارث الطبيعية على عاتق المنظمة الدولية للهجرة. وتفيد الأممالمتحدة بأن مشاريع المنظمات الإنسانية قد حصلت خلال ما يُعرف بعملية النداءات الموحدة لعام 2012 على 45% فقط من المبلغ المطلوب، وهو 448 مليون دولار. ونظراً لعدم قدرة العديد من الأفغان على الوصول إلى الخدمات الحكومية الأساسية، مثل التعليم الأساسي، والمياه والخدمات الصحية الأولية والإسكان، تطالب الهيئات الإنسانية حالياً ب 471 مليون دولار لتغطية تكاليف مشاريعها في العام 2013. وهي تأمل أن تبادر الدول والمؤسسات الأهلية والشخصيات المختلفة بمد يد العون لتوفير هذا المبلغ، للمحافظة على الحد الأدنى من الخدمات الضرورية للجموع الأكثر ضعفاً في أفغانستان. وتقول خطة العمل الإنسانية المشتركة (CHAP) لعام 2013، الصادرة عن مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إن "اتجاهات الصراع المتفاقم على مدى السنوات الخمس الماضية تشير إلى استمرار معاناة المدنيين بسبب العنف المسلح وتدهور الوضع الإنساني". ويعاني 34% من السكان من انعدام الأمن الغذائي، ويموت 10% من الأطفال الأفغان قبل التحاقهم بالمدارس الابتدائية. وتفيد المؤشرات الديموغرافية العامة بأن سكان أفغانستان يزيدون على ثلاثين مليونا وأربعمائة ألف نسمة، وفقاً لمؤشرات العام 2012. وقد تسببت الهجرة الحضرية في تضخم سكان العاصمة كابول من نحو 1.5 مليون نسمة عام 2001 إلى حوالي خمسة ملايين حالياً. وتقع أفغانستان في الترتيب التاسع عالمياً على مستوى الخصوبة، حيث يبلغ معدل إنجاب المرأة الأفغانية 5.6 أولاد. وقد بلغ الناتج القومي الإجمالي لأفغانستان 19.8 مليار دولار عام 2012، وفق سعر الصرف الرسمي (33.5 مليار دولار بأسعار الصرف غير الرسمية). وحقق هذا الناتج نمواً قدره 11%، مقارنة ب 5.8% عام 2011. وعلى الرغم من ذلك، فإن معدل دخل الفرد السنوي في أفغانستان لا يبلغ سوى ألف دولار، وفقاً لمؤشرات العام 2012. وهذا يعني عملياً أن غالبية الأفغان لا يصل دخلهم السنوي حتى إلى هذا الرقم. وتقع أفغانستان في الترتيب 218 عالمياً على هذا الصعيد. ووفقاً للأرقام الرسمية، يستحوذ القطاع الزراعي على 78.6% من إجمالي القوة العاملة الأفغانية. بيد أن الزراعة لا تشكل سوى 20% من إجمالي الناتج القومي الإجمالي للبلاد. وأياً يكن الأمر، فثمة إجماع دولي اليوم على ضرورة إعطاء أولوية قصوى لإعادة البناء الاقتصادي والاجتماعي، كسبيل لخروج أفغانستان من أزمتها، إذ لا استقرار إلا في ظل مشروع تنموي متماسك وطويل الأمد. إن التنمية الاقتصادية والاجتماعية هي السبيل لتحقيق الأمن والاستقرار الوطني، ولابد للمقاربات المختلفة من أن تلحظ هذه الحقيقة، فأفغانستان المستقرة هي التي يشعر أبناؤها بالحياة الكريمة فيها. إن الأسرة الدولية معنية بالتكاتف في دعم الشعب الأفغاني، وتطوير مؤسساته الوطنية المختلفة، وجعل الأمن والازدهار في أفغانستان حقيقة قائمة. وهذه مسؤولية لا تقتصر على الغرب دون الشرق، أو دولة دون أخرى. إنها مسؤولية كافة القوى الحية في المجتمع الدولي..