ربما لم يلتصق اسم شاعرٍ بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين كما التصق اسم الشاعر الكبير عبدالرزاق عبدالواحد. مواقفه السياسية وتماهيه التام مع صدام حسين لم ينكرهما بعد إعدام صدام. بقي متمسكاً بموقفه منحّياً نفسه عن خطيئة "إذا طاح الجمل كثرت سكاكينه". ألقى قصيدة يرثي فيها صدام، ومع اختلاف كاتب هذه السطور جملةً وتفصيلاً مع صدام ونظامه غير أنني أحيي الاستقلالية التي يتمتع بها الشاعر، فهو من القلائل الذين لم يتغيروا مصلحيّاً بل ثبتوا. بقي الوجه الآخر للجواهري أو الضد الأكبر له، فالجواهري ليس على وفاق مع نظام صدام ومع ذلك كانت علاقته بعبدالرزاق قوية، والجواهري قال له إن شعرك يشبه شعر البحتري وأنا شعري يشبه شعر المتنبي. امتازت القصيدة العمودية لدى عبدالرزاق بجزالة ورصانة، وإذا قدّر لك أن تستمع إلى القصيدة بإلقائه هو فستصاب بقشعريرة وهو يلقي قصائد مثل:"يا صبر أيوب" أو "كبير على بغداد أني أعافها". وقد سعدتُ بلقائه قبل أيام وسجّلت معه حلقتين لبرنامجي "إضاءات" غير الحلقة التي بثّت في يناير 2012 والتي ألقى فيها القصيدتين المشار إليهما. حين توفي الجواهري حزن عبدالرزاق حزناً كبيراً عليه، ورثاه بقصيدةٍ عنونها ب"يا شيخ شعري"وجاء فيها: لاالشِّعرَ أبكيهِ، لا الأبداعَ، لا الأدبا أبكي العراق، وأبكي أُمَّتي العرَبا أبكي على كلِّ شمسٍ أهدروا دمَها وبعدَما فقدوها أسرجوا الحطبا أبكي على وطنٍ يبقى الأديبُ بهِ ليس الغريب، ولكنْ أهلُهُ غُرَبا أبكي على النَّخلِ يا من أنت صاحبُهُ وأنت ساقيهِ قرناً ماءك العذبا وراحَ حتى العِدا يجنونَهُ رُطَباً وأنت تعلكُ منه السَّعفَ والكرَبا! أبكي لأهوارِ أهلي الآنَ بلقَعُها يبكي فيُبكي بها البَرديَّ والقَصَبا وإذْ مُهاجرةُ الأطيار تبلغُها تبكي وتُمعنُ عن قيعانِها هرَبا! أبكي الفُراتَين.. هل تدري مياهُهما بأنَّ أعظمَ مَن غنّى لها ذهبا؟ بقي عبدالرزاق وفياً للعراق، وما أريد أن أقوله: علينا أن لا نلغي إبداع الإنسان فقط لأننا نختلف معه سياسياً، هناك أدباء عظماء وقفوا مع النازية ومع ذلك بقي أثرهم، وبقيت قيمتهم وآخرهم الأديب والروائي الألماني"غونتر غراس" وهو الحائز على نوبل والذي كان متعاطفاً مع النازية. بآخر السطر السياسي شيء، والإبداع شيء آخر، فلتستمتعوا بشعر هذا الشاعر الثمانيني الكبير عبدالرزاق عبدالواحد.