بعد مايقارب ثلاثة اعوام من العمل المضني المتواصل والجهد المستمر على صهريج لنقل الماء من المحطة الرئيسية الى المزارع القريبة من منطقة الرياض، فكر الشاب ذو التاسعة عشر ربيعا بمستقبل اسرته ومستقبل ابنه البكر والى متى بإمكانه الاستمرار في هذا العمل الشاق قليل الدخل؟ ماذا عن حبه للدراسة؟ ماذا عن إشادات مدرسيه بمستواه في المراحل الأولى من دراسته؟ بعد هذا التفكير اتخذ الشاب قراره ذات ظهيرة يوم مشمس من ايام صيف الرياض الحار وسلم مفتاح السيارة لابيه معلنا رغبته في الرجوع لاستكمال دراسته الثانوية بنظام الدراسة الليلية مع محاولة ايجاد عمل صباحي ليتمكن من إعالة اسرته الصغيرة ، وقد وجدت هذه الخطوة الطموح تفهم اب حنون ودعم اسرة مترابطة. وانتقل بعد انقطاع طويل الى صفوف المدرسة وواجباتها مع وجود عمل صباحي طويل يزيد من ضغوطات هذا الشاب الطموح. بعد ثلاث سنوات مليئة بالجد والاجتهاد ظهرت نتائج الثانوية العامة معلنةً تخرج طال انتظاره مع معدل مرتفع أهله للحصول على مقعد دراسي في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. انتقل هذا الشاب الطموح مع اسرته واطفاله الثلاثة الى المنطقة الشرقية ليبدأ السنة الاولى من المرحلة الجامعية وهو محمل بضغوط مختلفة عن باقي زملائه في الجامعة (العائلة، العمل،الدراسة، تربية الاطفال) وهكذا ثقل الحمل على هذا الشاب الطموح الذي وجد نفسه غير قادر على الاستمرار في هذا الوضع الصعب واستكمالا لجرأته باتخاذ القرارات وايجاد البدائل السريعة، تمكن الشاب من ايجاد وظيفة في الخطوط السعودية في مدينة الرياض بفضل الله ثم بفضل اللغة الانجليزية التي اتقنها في أيامه في جامعة البترول، وهكذا عادت هذه الاسرة مرة اخرى الى العاصمة واستمر الاب في الدراسة بالجامعة صباحاً بكلية العلوم الادارية و العمل مساءً في الخطوط السعودية. وهكذا مرت اربع سنوات سريعة من عمر هذا الشاب كانت اوقاتها موزعة مابين الاسرة والعمل والدراسة الجامعية والتي تمكن من انهائها في نهاية المطاف؛ وبذلك يكون قد انجز ماكان يحلم به في ايامه الصعبة آنذاك، ولكن هل انتهت القصه؟ يأبى الطموح والاصرار إلا ان يقوده الى مرحلة جديدة في حياته وحياة اسرته فاذا به يقرر بعد فترة من عمله في المؤسسة العامة للتدريب المهني والتقني بالذهاب الى الخارج مبتعثا للحصول على الماجستير في الادارة، وهكذا انتقلت هذه الاسرة الى الولاياتالمتحدةالامريكية لتحقيق هذا الحلم الذي لم يكن سهل المنال لشخص بهذا العمر والمسؤوليات، ولكنه تحقق بعد ثلاث سنوات من المثابرة والاصرار وسهر الليالي ، وهنا اتخذ كعادته قراراً طموحاً آخر بمواصلة الدراسات العليا عن طريق دراسة الدكتوراه ، وهذا ماتحقق له انجازه بعد مايقارب خمس سنوات كانت هي الابرز والاصعب في حياته وحياة من حوله. عاد بطل هذه القصه (الذي لم يعد شاب) حاملا شهادة الدكتوراه بتميز ليرد الجميل للوطن الذي اعطاه هذه الفرص لتغيير حياته جذريا، وعمل لما يزيد على عشر سنوات كعميدا للكليه التقنيه في الخرج منذ تأسيسيها ليحال الى التقاعد بعد زمن من الانجازات والتغييرات للافضل في ارض الواقع. ولكن رجل بهذا الطموح والتفاني لايستطيع ان يعيش حياة التقاعد الرتيبة فقرر قبول عرض من جامعة اليمامة للعمل كعميد للقبول والتسجيل ولازال رمزاً للانضباط والاجتهاد. مراحل حياة الدكتور سليمان ناصر المسلم مليئة بالدروس والعبر وهي ايضاً رد على كل من يضعف او ينتهي من اول عثرة وفي نفس الوقت هي رسالة تفيض ايجابية لاصحاب الهمم والطموحات العالية. ابن الدكتور كان هو اول من تأثر ايجايبا بقصة كفاح كهذه، وقرر هو الآخر ترك عمله العسكري بعد خمس سنوات من الخدمة لينتقل الى امريكا بغرض طلب العلم وقد حصل على شهادة البكالريوس والماجستير بامتياز ولايزال متفوقا في عمله الاداري في القطاع الخاص وفي ارقى الشركات.. باختصار انه الطموح ياسادة الذي يمد الشخص بالقوة المعينة له على تجاوز التحديات وتحمل الغربة وصعوبة التنقل من أجل تحقيق الاحلام والظفر بالنجاح.