إن التعامل مع الإرهاب بالأسباب لمعالجته يستدعي الصدق في القول، وأولى علامات الصدق تأتي مع النفس من خلال الاعتراف بأن الإرهاب ظاهرة دولية معاصرة لا صلة لها بالأديان الثلاثة السماوية اليهودية والنصرانية والإسلام لأنها كلها جاءت من عند الله، وتدعو خلق الله إلى عدم قتل النفس إلا بالحق، وفقاً لقواعد تشريعات الخالق العظيم يتفق أهل الأرض جميعاً، على أن الإرهاب في كل صوره المتعددة وممارسته في المواقع المختلفة، يستند إلى فكر فاسد انفعالي يسيطر على أناس من مختلف الأصول العرقية والجنسيات المختلفة، الذين يتباهون بارتكاب جرائمهم بالتسابق في إعلان مسؤوليتهم عنها، وزاد من موجات الإرهاب طرق التعامل معه بمعاقبة القائمين به، واهمال الأسباب التي أدت إلى النهج الإرهابي في الأرض. لا نختلف إطلاقاً مع معاقبة المجرمين على جرائمهم في شكلها العادي ضد الأشخاص، أو في مسلكها العدواني ضد المجتمعات «الإرهاب» فذلك شرع الله الذي يقيم الحدود على المعاصي بدرجات متفاوتة واستناداً إلى حجم الجرائم المرتكبة، وكذلك تفعل كل القوانين الوضعية التي تقرر أن العقاب من جنس العمل، لأن كل تلك القوانين الوضعية تتخذ من الشريعة الإسلامية مصدراً أساسياً في تشريعاتها.. ولكننا نؤمن في الوقت نفسه بحتمية البحث عن الأسباب التي أدت إلى ارتكاب الجريمة سواء كانت لأسباب شخصية بين أبناء الوطن الواحد، وسواء جاءت في شكل إرهابي بالعدوان على غيرهم في داخل الوطن أو ضد الأوطان الأخرى، لأن معرفة الأسباب ومعالجتها تحقق الأمن والأمان في الأوطان المختلفة والاستقرار والتوازن بين الدول فوق المسرح العالمي. جريمة حرق لندن يوم الخميس الماضي 7 يوليو من عامنا الحالي 2005م جاءت ردود الفعل عليها من البيت الأبيض في واشنطن بتأكيد الرئيس الأمريكي جورج بوش، على مواصلة القتال ضد الإرهاب في كل مكان بالأرض حتى يتحقق انتصار أمريكا مع حلفائها على الإرهاب الدولي لمنع وصوله مرة أخرى إلى أرض الوطن الأمريكي، فتضطر إلى محاربته فوق أراضيها.. هذا القول فيه كثير من الأنانية والعنجهية تعكسهما رغبة أمريكا في محاربة الإرهاب بميادين قتال في أراضي غيرها من الدول، وتتجاهل واشنطن بعمد أسباب الإرهاب مما عذر عليها معالجته، تماماً كما تجاهلت باصرار تعريف الإرهاب «بالعدوان على الغير كما حددته اتفاقية فيينا في عام 1815م لتحارب من تريد، وقت ما تشاء، على أرض من تختار، تحت مظلة محاربة الإرهاب، رفعت في سبيل ذلك شعارها الانفعالي في مخاطبة العالم «إما معنا وإما مع الإرهاب» من بعد الهجوم على مركزي التجارة الدولية في نيويوك يوم 11 سبتمبر من عام 2001م. تجاهل أمريكا لحتمية التعامل مع أسباب الجرائم العادية والإرهابية عذر عليها إيجاد حلول جذرية لها وجعلها تدور في حلقات متتابعة بدون نهاية لتعاملها مع نتائج الجرائم، فضلت الطريق، ولم تصل إلى معرفة أسباب اغتيال الرئيس الأمريكي جون كنيدي في دلاس يوم 22 نوفمبر من عام 1962م وأخذت تتعامل مع نتائج الاغتيال باعتقال هارفي أزولد الذي قتله جاك روبي خشية من الافشاء بأسرار الاغتيال الذي قام به، وأعلن سجن دلاس في عام 1967م وفاة جاك روبي بالسرطان بعد أن قرر الأدلاء بشهادته عن اغتيال الرئيس جون كيندي أمام المحكمة العليا في واشنطن، وترتب على مغبة التعامل مع الإرهاب بالنتائج دون الأسباب اسدال الستار نهائياً على قضية اغتيال الرئيس الأمريكي جون كيندي، وتغيب هذه القضية من التاريخ الأمريكي. تكرار التعامل الأمريكي مع الإرهاب بالنتائج دون محاولة معرفة الأسباب في عام 1995م عند تفجير مبنى تجمع الإدارات الحكومية في أوكلاهوما عاصمة ولاية انديانا، وسارع رجال الشرطة إلى القاء القبض على العرب والمسلمين «من كل شق وطرف» بعد اتهامهم الجزافي بجريمة العدوان الإرهابي على مقر الإدارات الحكومية، وانقذهم من هذه الورطة اعتراف تيموثي ماكفيه بارتكاب تلك الجريمة، وأعلن أن له أعوان في جريمته، ولما كانت الإدارة الأمريكية لا ترغب في التعامل مع أسباب الإرهاب وتصر على التعامل مع نتائجه، سارعت إلى تنفيذ حكم الإعدام على تيموثي ماكفيه قبل الافصاح عن أعوانه وأعلنت وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت أن على أرض أمريكا أكثر من 282 منظمة، ويصعب الدخول في دهاليز الإرهاب الأمريكي لمعرفة أعوان تيموثي ماكفيه، فانطبق عليها القول العربي «حدث العاقل بما لا يليق، فإن صدق فلا عقل له» وأدى قولها هذا إلى غيظ الشعب الأمريكي منها فناداها باسم «هاف برايت» وهو لفظ انجليزي يقابله في اللغة العربية «نصف عاقل» ويطلق عندنا وعندهم على المجانين، لأن العقل يجب أن يكون كاملاً ولا يقبل التجزئة حتى إلى نصفين، «فالنصف العاقل» الذي وصفت به وزيرة الخارجية الأمريكية يقابله «النصف المجنون» الذي جعلها في عداد المجانين في أمريكا. ارتفع من 10 دوانج ستريت في لندن صوت رئيس الوزارة البريطانية توني بلير يطالب بمعرفة أسباب العدوان الإرهابي على وسائل النقل العام تحت الأرض في ساعات الذروة بلندن لمعالجة تلك الأسباب حتى يتم اقتلاع العدوان الإرهابي على بريطانيا من جذوره، لقناعته بأن الوقاية من الإرهاب تحقق المعجزات بالقضاء التام عليه، ومن هنا يبدأ طريق الاختلاف بين واشنطن التي سلكت طريق التعامل مع نتائج الإرهاب لقمعه بعد وقوعه لتعالجه بالقوة الرادعة حتى تصل إلى الاستقرار السياسي تحت مظلة فكر يدعو إلى الهدم والبناء في وقت واحد وبصورة متزامنة.. وبين لندن التي ترغب اليوم أن تشكك طريق التعامل مع أسباب الإرهاب قبل وقوعه لتعالجه بالحكمة حتى تصل إلى الاستقرار السياسي تحت مظلة فكر يدعو إلى معالجة أسباب الإرهاب لمنع تكرار وقوعه في المستقبل لا مجال للمفاضلة بين الرؤية الأمريكية التي تذهب إلى التعامل مع الإرهاب بنتائجه التي جعلت محاربة الإرهاب حرباً مستمرة طوال السنوات الأربع الماضية من عام 2001م إلى عامنا الحالي 2005م، ومن المقدر لها أن تستمر لعشرات من السنوات القادمة ربما تصبح حرباً بلا نهاية طالما لا توجد حلول جذرية للإرهاب.. وبين الرؤية البريطانية التي تذهب إلى التعامل مع الإرهاب بالبحث عن أسبابه والعمل على إلغائها، فتنعدم الحاجة أو المبرر للعمل الإرهابي في الأرض، وهذا الأسلوب الحضاري في الفكر البريطاني المطالب بالتعامل مع أسباب الإرهاب يستدعي السير في طريق طويل، وربما غير معبد من قبل الوصول إلى بر الأمان من الإرهاب، ولكنه بدون شك أقصر كثيراً من الطريق الوعر الذي تسلكه أمريكا بأسلوب غير حضاري، بالتعامل فقط مع نتائج الإرهاب دون محاولة معالجة أسبابه للقضاء عليه، وتعمل واشنطن على دفع غيرها من الدول إلى السير في هذا الطريق الوعر رغم أنفها، وتواجه حروباً مستمرة ومتكررة ضد الإرهاب على جانبي الطريق من بدايته إلى الأبد لأن لا نهاية له، مما يجعل الوصول إلى بر الأمان من الإرهاب قضية مستحيلة، لأن أميركا بمسلكها غير الحضاري تريد أن تفرض على الأرض حرباً دائمة ومستمرة ضد الإرهاب، الذي بدوره يقوم بالعدوان على الدول جاء آخر هذا العدوان حرق قطارات تحت الأرض في لندن. إذا كان رئيس الوزارة البريطانية توني بلير صادقاً في سعيه لمعرفة أسباب الإرهاب، ومعالجتها بهدف القضاء عليه في الأرض، فعليه فك ارتباك بريطانيا مع أمريكا «قوات التحالف» في العراق، ويبادر فوراً إلى سحب قواته من العراق لأن وجود قوات أجنبية في أوطان الغير بدون موافقة أهله يشكل استفزازاً شعبياً على المستوى الدولي وهذا يعني أن الاستفزاز الشعبي ليس قاصراً فقط على العراق الذي يحتله عسكر بريطانيا وإنما يشمل أيضاً استفزازاً لكل الشعوب في كل بلدان الأرض يثبت صدق هذا القول التيار الشعبي في بريطانيا الذي استفزه وجود عسكر بلده في العراق، وطالب الحكومة البريطانية أكثر من مرة بالرحيل من العراق رحمة بأبناء بريطانيا وبناتها الذين يواجهون خطر الموت عند لفة كل شارع، ويفرضون الخوف من الموت على أهل العراق عند كل لفة كل شارع، إلى الدرجة التي جعلت حياة الإنسان عندكم في بريطانيا «برخص التراب» سواء كان هذا الإنسان بريطانياً غازياً للعراق وسواء كان هذا الإنسان عراقياً مكافحاً لعسكر بريطانيا فوق أرض وطنه العراق. إن التعامل مع الإرهاب بالأسباب لمعالجته يستدعي الصدق في القول، وأولى علامات الصدق تأتي مع النفس من خلال الاعتراف بأن الإرهاب ظاهرة دولية معاصرة لا صلة لها بالأديان الثلاثة السماوية اليهودية والنصرانية والإسلام لأنها كلها جاءت من عند الله، وتدعو خلق الله إلى عدم قتل النفس إلا بالحق، وفقاً لقواعد تشريعات الخالق العظيم، الذي فرض إقامة الحدود على المعاصي، فالقول إن الإسلام دين إرهاب، والمسلمين إرهابيون، والتطاول الأمريكي على كتاب الله بإصدار قرآن جديد يسمونه «فرقان الحق» ونسميه «فرقان الباطل» يجعل أسباب الإرهاب آتية من عندكم في الغرب بشقيه الأمريكي والأوروبي، ورغبة بريطانيا في معالجة الإرهاب بمعرفة أسبابه، تفرض علينا دعوتها إلى الاستنارة بما جاء في المحاضرات الثلاث لولي عهدكم الأمير تشارلز في عام 1997ك إن لم تخن الذاكرة التي قال فيها إن الإسلام بجانب كونه ديانة يؤمن بها أكثر من سدس سكان الأرض، فهو أيضاً تراث إنساني عظيم استفاد منه الغرب في كل تشريعاته وحل به كثيراً من القضايا الغربية المستعصية على الحل، ونعت الإسلام بالإرهاب قول باطل يحتاج إلى تصحيح من عندكم في بريطانيا بقول الحق لتصلوا إلى أسباب الإرهاب وإيجاد حلول عملية له بالعدل، ليدخل تحت مظلته رفع الظلم الإسرائيلي عن الفلسطينيين ومنع الانتشار النووي في اقليم الشرق الأوسط لابد أن يجرد إسرائيل من أسلحتها النووية. ندعوكم ونؤيدكم استناداً للعدل بمعاقبة من قام بجريمة حرق لندن، وانتهاج سبل العدل في التعامل الدولي بالامتناع عن ممارسة الديكتاتورية في العلاقات الدولية حتى لا يتكرر العدوان الإرهابي عليكم أو على غيركم من الأمم والشعوب في الدول المختلفة.