خلّفت العديد من ملفات "قضايا الفساد" تجاوزات وقصور في الأداء الوظيفي، وخيانة للأمانة، كما تحتاج إلى سنوات من الإصلاح وإعادة الهيكلة من جديد، وكشف الأوراق التي تلاعب بها بعض المسؤولين لسنوات طوال، دون حسيب أو رقيب، وحرم المئات من المواطنين والمواطنات من حقوقهم الوظيفية والمالية والمعيشية. وعلى الرغم من الميزانيات الضخمة التي تضخها الدولة للجهات الحكومية والوزارات لتقديم خدمة أفضل للمواطن، إلاّ أن هناك من المسؤولين من ظن نفسه ذكيا على من يحارب الفساد، وأن قدرته في التلاعب تفوق قدرة الدولة على كشفه، أو المواطن في التبليغ عنه. مهما حاولت أن تخفي الحقيقة حتماً تنكشف بجهود «الشرفاء» من أبناء الوطن وإيماناً من القادة بحقوق المواطن، وتوفير حياة كريمة له وخدمات تليق بمكانة المملكة؛ أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- بإنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد ترتبط به مباشرة، ورصد لها ميزانيات للكشف عن مواطن الفساد وتعزيز الشفافية والنزاهة وحماية المال العام، ومحاربة الفساد، والقضاء عليه، كما أوجدت الدولة الضمانات، وهيأت الأسباب لمحاصرة الفساد، وتطهير المجتمع من آثاره الخطيرة، وتبعاته الوخيمة على الدولة في مؤسساتها، وأفرادها، ومستقبل أجيالها. تزوير ورشوة بعد عمل الهيئة انكشفت العديد من محاولات المسؤول للتذاكي على الفساد في عدة أمور، حيث انكشفت أكثر من 500 قضية تزوير من أصل 748 قضية أُحيلت للقضاء الإداري، وتجاوزت قيمة الغرامات المالية فيها مليون ريال. كما تم رصد 573 قضية تزوير بلغت غراماتها 1.518.500 ريالاً، في حين بلغت قضايا الرشوة التي بلغت 73 قضية رشوة بلغت مبالغ غراماتها 2.306.450 ريالاً، ونسبة السعوديين المتورطين في قضايا الرشوة خلال العام المنصرم بلغت 75%، حيث تورط 677 سعودياً في قضايا رشوة مقابل 173 شخصاً غير سعوديين. وساهمت الهيئة في الكشف عن قضايا استغلال النفوذ، ونظرت المحاكم الإدارية 43 قضية استغلال للنفوذ بلغت غرامتها 145،500ريالاً، في حين سجلت 20 قضية مقاومة رجال السلطة بلغت مبالغ غراماتها 19.500ريال، و14قضية إساءة استعمال السلطة بلغت غراماتها 94730 ريالاً، و14 قضية إساءة معاملة بلغت مبالغ غراماتها 11.000 ريال، إضافة إلى قضايا ترويج العملة التي بلغت 11 قضية ترويج عمله بلغت مبالغ غراماتها296.000 ريالاً. وقد صدر 24 حكماً تأديبياً من الدوائر التأديبية في القضايا المرفوعة من هيئة التحقيق والإدعاء العام بالتعاون مع مكافحة الفساد، وإحالة ما يثبت منها إلى المحكمة الإدارية تباعاً. استغلال النفوذ وهذا الإجراء مما يندرج ضمن اختصاص الهيئة في مراقبة أداء الأجهزة الحكومية؛ للتأكد من حسن الأداء، والكشف عن أي أخطاء أو تقصير أو انحراف، وملاحقة كل من تسول له نفسه العبث بالأنظمة أو استغلال النفوذ الوظيفي أو إساءة استعمال سلطة الوظيفة، أو الاعتداء على المال العام، ومن ثم الادعاء عليه أمام القضاء؛ لينال جزاءه وفق ما تقتضي به الأنظمة العقابية (الجزائية والتأديبية) التي وجدت للعقاب والردع وحماية مصالح العامة من أي ضرب من ضروب الفساد، وهو ما يتوافق وتوجهات الدولة في ذلك. ومن ناحية التستر التجاري والتلاعب فيه تم الكشف عن 37 سعودياً بينهم نساء للتحقيق معهم في قضايا التستر التجاري -بحسب ما نُشر في وسائل الإعلام-، وتغريم كل واحد منهم 20 ألف ريال وفقًا للنظام. وقد أصبح الإعلام شريكاً أساسياً في مكافحة الفساد، والكشف عن مواطنه، ومساعدة الهيئة الوطنية في الإطلاع على تفاصيله والإعلان عنه تعزيزاً لمبدأ الشفافية، إضافة إلى رفع التقارير لمقام خادم الحرمين الشريفين للإطلاع على الوضع القائم، حيث ساهم الإعلام في مساعدة الجهات الرقابية بالتحقيق في 994 موضوعاً صحفياً كشفت عن قصور في أداء بعض الأجهزة الحكومية والخدمات العامة، وكان نتاجها 1449 شخصاً متهماً في قضايا تزوير، و745 شخصاً متورطاً في قضايا رشوة، و82 شخصاً في قضايا اختلاس، إضافة إلى 277 شخصاً متهماً في قضايا تزييف عملة. ملاحقة مسؤول وهناك من المسؤولين من يحاولون تخدير المواطنين بالوعود المزيفة والأحلام الوردية، وختم كل وعد يطمح له المواطن بعبارة "قريباً" و"ندرس الموضوع"؛ الأمر الذي لا يتوافق وتوجهات المملكة التطويرية، ووعي المواطن الراصد لوعود بعض المسؤولين المزيفة، فأوكلت الدولة إلى هيئة الرقابة والتحقيق إعداد برنامج رقابي لمتابعة أعمال المتحدثين الرسميين في الجهات الحكومية، وتم تعميمه على جميع فروعها للتأكد من قيام الأجهزة الحكومية (خاصة الخدمية) بتعيين متحدثين رسميين في مقراتها الرئيسة، وفروعها وفقاً لما نص عليه القرار، وذلك بناءً على قرار مجلس الوزراء رقم 209 وتاريخ 30/6/1433ه، ولفت إلى أن الهيئة تبلّغ ما يظهر من سلبيات للجهات الحكومية المركزية حين وصول النتائج المطلوبة إليها، وذلك للعمل على تلافيها، مستندة على التوجيه السامي الكريم رقم 10245/ م ب، بتاريخ 17/8/1426ه، القاضي بالتأكيد على الجهات الحكومية كل فيما يخصه بالرد على ما يُنشر في وسائل الإعلام، وفقاً لما لديها من معلومات. وقد تسببت تلك الوعود المتذاكية من بعض المسؤولين إلى تعثر أربعة آلاف مشروع أرجعت مكافحة الفساد والأجهزة الرقابية أسباب تعثرها -بحسب إفادة الأجهزة الحكومية المعنية- على عدم تسلم المرافق لتلك المشروعات، وضعف المقاولين وعدم أهليتهم لتنفيذ تلك المشروعات، وعدم توافر العمالة، وارتفاع أسعار مواد البناء، ومن ثم ارتفاع التكاليف على المقاولين، وشح المواقع المتوافرة لإقامة المشروعات المقترحة. ثقة المواطن ولا زالت الصحف اليومية تطلعنا على المحاكمات المستمرة للمتورطين في قضايا فساد، ومبررات المتهمين التي تكشف عن مدى تورطهم وتبادلهم الاتهامات في أروقة المحاكم، وأصبحت النوايا هي القشة الأخيرة التي يتعلقون بها، فمثلاً استند أحد رجال الأعمال المتهمين في كارثة سيول جدة بتهمة الرشوة أنه عقد النية على شراء الأرض، ولذلك دفع المبالغ لصاحب الأرض التي صُنفت فيما بعد إلى رشوة، بينما فضّل البعض ممن تذاكى على الفساد أن يرددوا أنهم أُجبروا على مصادقة أقوالهم حتى لا يعادون إلى السجن أو أنها أخذت منهم بالإكراه!. ويضاف إلى ذلك البيانات اليومية التي تصدرها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بواقع بيان لكل يوم تقريباً؛ حيال البلاغات التي تردهم من المواطنين أو نتيجة ما ترصده وسائل الإعلام، إضافة إلى جولات الهيئة الميدانية المستمرة للبحث عن مواطن الفساد وبتر أذرعه. لقد تعلقت أمال المواطنين والمواطنات بتوجهات الدولة في القضاء على أوجه الفساد وبتره من الجذور، من خلال المحاكمات العادلة ونقلها عبر وسائل الإعلام، ورصد تجاوزات وأخطاء وتلاعب بعض الجهات الحكومية والوزارية، إضافة إلى إلزام المقاولين والجهات المعنية بإقامة المشروعات التنموية بوضع لوحات تفصيلية عن مدة المشروع وقيمة العقد واسم المقاول، واعتبار المواطن شريكاً ناقداً وراصداً ومبلغاً عن مواطن الفساد وكشف تذاكي المسؤول!