إن الوالغين في حمى الفتن؛ خوارج العصر الحديث لاتتجمهر جموعهم المناهضة للأنسنة، ولا تجتمع ولا تعترض ولا تناهض ولا تخرج عن طورها إلا عندما يكون الأمر خاصاً بالمرأة، ولطالما لفقوا التوجهات القيمية لخدمة أجنداتهم المتخلفة ك«الاحتساب» الذي أصبح لقمة سائغة لأهواء المتذرعين بذرائع الباطل ليدحضوا به الحق منذ قررت المشيئة الربانية هبوط آدم وحواء إلى الأرض وآدم من حينها وهو رسول الإنسان ووالده على الأرض لا فوق السماء، بالتالي أصبحت رسالته أرضية، واختلفت المعايير المتخذة للحساب بحسب الطبيعة التي حكمت البشر إلى اليوم؛ الطبيعة البشرية. وبهبوطهما"حواء وآدم" انتهت فترة الملائكية، وبدأت طبيعة الإنسان الخطّاءة التي تغسل الخطيئة بالتطهر، إلا أن أكثر ما ينازع الحق فيه جراء الخلط بين عالم السماء والأرض، هو ترسيخ عقيدة التأثيم الموهنة، التي لا هي تفهمت خصال إنسان الأرض فعذرته وجرت مع مصلحته، ولا هي استوعبت صفات ملك السماء فنزهته، ولكن ولأن المراء يعتبره البعض قيمة يداهنون بها لأجل تكريس قناعاتهم اللاإنسانية لذلك تراهم يزكون رؤيتهم وإن خالفت المصلحة التي هي أساس تنظيم الحياة لإنسان الأرض، بل وإن فارقت طبيعته برمتها.. لايستطيع آدم الحياة بلا حواء، واجتماعهما لا يمكن أن يحسب تأثيماً بلا إثم، ولكن للخارجين عن طبيعة الحياة والوجود والمصلحة والإنصاف والعدل والحكمة وفوق كل ذلك العقل رأي آخر، لا يكلفون به أنفسهم فقط بل يفرضونه على مجتمعٍ بأكمله. فالمهووسون بعقيدة التأثيم "خوارج العصر الحديث"يكرسون عقيدتهم فيما لا إثم فيه، وذلك لأسباب كثيرة ذكرت أغلبها في مقالات سابقة ولا مجال لذكرها هنا، ومن إفراط هذه العقيدة ألا تتخيل وجود الكائن المستهدف لعقيدتهم "المرأة"سوى فاتن، ويهيئون"الرجال" لاستقباله في الحياة كمفتونين مؤهلين للسقوط في بؤرة الإثم، فيمنعون الكسب الحلال منعاً لوهم الحرام، حتى تفاقمت حالة أحدهم فسوّغ للفتنة بين الوالد وابنته، كخزي إنساني ليس بعده خزي؟!! لكنها نفوس تشربت الباطل فصُّوِرَ لها حقاً لا جدال فيه، وأناس تراكمت ثقافة التزكية للأشخاص لديهم فلازالوا يسألون منتكس الفطرة ويستفتونه، مع أنهم لو استفتوا طبيعتهم الآدمية لمجّت فتاواه وتبرأت من باطلها. منع الحلال استباقاً، والاستعاضة بترسيخ عقيدة التأثيم المسلطة على المرأة بالذات منعاً للوقوع في الإثم، بدل أن تنظم مجالات الحياة بالقوانين التي تفرض العقوبات على منتهك أجوائها السليمة هو ما يحرص عليه تجار الفضيلة، ولو سقط معيار التأثيم الواهم لتهاوت ترهات الإرهاب المسلطة على رقاب الأبرياء. إن الوالغين في حمى الفتن؛ خوارج العصر الحديث لاتتجمهر جموعهم المناهضة للأنسنة، ولا تجتمع ولا تعترض ولا تناهض ولا تخرج عن طورها إلا عندما يكون الأمر خاصاً بالمرأة، ولطالما لفقوا التوجهات القيمية لخدمة أجنداتهم المتخلفة ك"الاحتساب" الذي أصبح لقمة سائغة لأهواء المتذرعين بذرائع الباطل ليدحضوا به الحق، وكما سبق واحتشدت الوفود من كل حدب وصوب في وزارة العمل منعاً لتوظيف المرأة، واحتشدت لتعارض حق عضويتها في مجلس الشورى، تجمهروا واعترضوا وصورا وسجلوا ووزعوا على اليوتيوب كل ما حفل به منطقهم الرجعي الخطير، وما يمثله من نظرة متخلفة للإسلام والمسلمين، والتي لا تمت لما للمرأة المسلمة من مكانة وتمكين في القضاء والحسبة والفتوى والمشورة والعلم والسياسة على مر التاريخ. يقول على بن أبي طالب رضي الله عنه " لا تجهل نفسك فإن الجاهل معرفة نفسه جاهل بكل شيء" وهؤلاء غرتهم صفات العلم التي تطلق عليهم بلا حق، فجهلوا جهلهم، وهرولوا ينددون بكل خطوة تنموية لمشاركة المرأة، يشغّبون على كل تمكينٍ لها، وفي تسجيلاتهم لازالوا يهددون بالاستمرار على منهجهم الخوارجي ويعلنون استمرارهم فيه. أحد الرموز المحتشدة استضافه الإعلامي الزميل عبدالعزيز قاسم في برنامجه حَراك ووافانا بما في نفوس أصحابه من ترهات، فصرّح بأن مصدر إزعاجهم من الإصلاحات يتمثل ب"الزج بالمرأة في كل الميادين"!! ثم تساءل هل هذه نماذج تمثل نساء بلاد الحرمين؟! يعني السيدات اللاتي اختارهن الملك حفظه الله لمجلس الشورى، وقال" أجزم بأن هذا من الجناية على المجتمع، بل أجزم أن هذا المجتمع لا يمثل هذا الفكر". طبعاً هو وجماعته المعترضة هم المجتمع، وهم ممثلو الإسلام، وأهل الفرقة الناجية، والبقية في النار كما تسوغ لهم أمانيهم التي لو دارت في دائرتهم لما تكاثرها عليهم أحد، لكن أن يجبر المجتمع على اتباعها فعين التخلف والابتلاء. د. محسن العواجي الكل يعلم مدى قدرته اللسانية التي تلجأ دائما لخلط كل مايريد خلطه ليظهر وكأنه رمز حقوقي نادر، يوالي هو الآخر الحديث في البرنامج باسم الشعب فيرى"أن المجلس لا يمثله ولا يمثل الشعب"، بما أن المجلس لايمثلكم فليتكم تتخلون عنه لمن يرى تمثيله، فالغالبية تثق باختيار الملك حفظه الله وتنتظر جهود النماذج المعينة بتفاؤل. لكن للأمانة؛ د. العواجي طمأن الجميع أن بذور الفتنة التي تتوهج وتصطلي نيرانها دوماً إذا ما ضم مكانٌ رجلاً وامرأة ولله الحمد مفقودة في المجلس،لأنه يرى أن"الأعضاء من غير أولي الإربة من الرجال، والعضوات من القواعد من النساء اللاتي لايرجين نكاحاً" ليته تطوّع بإبلاغ جمع الخوارج المحتشد باكتشافه الفذ علّ أفئدتهم المهووسة بالفتن تسكن وتهدأ، وتلتفت إلى حيث فتنة الطفلات الصغيرات اللاتي يتبارى البعض في الاقتران بهن. الذكاء التلبيسي الذي لم يستطع العواجي أن يلبسه ثوب التقى الحقوقي عندما ذكر المصادمة البوليسية التي كذّبها المتحدث باسم المحتشدين، مؤكداً حسن التعامل الأمني رغم لا مشروعية ولا أهلية احتشاد ذلك الجمع الخوارجي المنازع أهل الحق حقوقهم. ولقد تجاوز العواجي حدوده بمستوى التعدي اللاأخلاقي الذي يعكس نظرته تجاه أي حقوقي يدافع عن الحق والعدل عندما وجه كلاماً بحق د. آل زلفة لا يصح أن يصدر من أقل سفيه قائلاً: "من حسن حظ الأخوات أن تعيينهن تم بعد ترك محمد آل زلفة المجلس وإلا لاختار مقعدة بينهن؟" ولكم أكبرَ العقلاء في د. آل زلفة استمراره بالتزام الأدب والترفع عن الرد وإن من باب رد السيئة بالسيئة.. وهكذا هي الرموز الحقوقية التي أشرفُ ويشرف الكثير أن يمثلها د. آل زلفة. لا يوجد كبير اختلاف بين الضيف الثاني الكاتب محمد الشيباني، والعواجي إلا بما يمثل الاقتناع الصريح والمبهم بأن المرأة لن تفلح ولن تقدم أكثر مما قدمه الرجال، والشيباني يربط ربطاً غير منطقي بين واقع اليوم وواقع الصحابة، فإما أن نكون كالصحابة أو فلسنا جديرين ببناء حياة مشتركة الرجل فيها شقيق المرأة!! كما أنه يرى عضوية المرأة في مجلس الشورى واجهة إعلامية تسد الثغرة أمام الآخرين الذين يتهمون السعودية بأنها ضد حقوق المرأة! أكثر الشيباني من حديث الالتزام بالضوابط الشرعية الذي وجهه للمرأة خاصة، وكأن تلك الضوابط مقصورة على المرأة، بينما المنطق يقول بأن العاقل الكامل من باب أولى أن يذّكر بمسؤولية الضوابط التي يضبط بها ويؤكد بها أهليته التامة، وإن كان الضابط القانوني هو الحل الجذري للمتعدين. اجتمع الضيفان على ذات الهدف الذي يرى المرأة لا يمكن أن تحل ما لم يحلّه الرجال، وهو نتاج النظرة الانتقاصية للمرأة التي يحفل بها التراث والتعليم والذهنية الذكورية العامة التي تنتهج كل إجراءات الانتقاص أو إلغاء أهلية المرأة، ولا زالت مستمرة وكأنها مقدس لا يمس. الشعوب المستعبدة خاصة عن طريق الثقافة المرسخة في اللاوعي لدرجة القضاء والقدر هي كما يثبت لنا التاريخ أصعب الثقافات على تقبّل التغيير أو الإصلاح، فالمستعبد أسير لعبوديته يتصور أن خارج أسوار عبوديته الفناء التام والضياع الشامل، وهذا بالضبط ما يواجه به بعض النساء النظرة لعقولهن التي لايمكن أن تفكر خارج الصندوق، وهو ما عبر عنه الصوت الأنثوي الذكوري في الحلقة، فهي تتنبأ بفشل المرأة لأن الرجال فشلوا في حل قضاياها، وهي عقلية استعباد ذكورية تشكك المرأة في أهليتها فتستسلم راغمة مطمئنة لكل ما يفرضه الرجل على الواقع والمستقبل، متحدثة من داخل الصندوق الذي حبسها فيه وإن كان القيد بيدها. أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه له مع العقل والشهوة فلسفة تتجاوز فكرة الجندر وتصب في منطق الحكمة، تسهل للإنسان الحكم على نفسه بالتفكر، يقول" إن الله عز وجل ركّب في الملائكة عقلاً بلا شهوة، وركّب في البهائم شهوة بلا عقل، وركب في بني آدم كليهما، فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلب شهوته عقله فهو شرٌ من البهائم".. الرهان عنده رضي الله عنه على من يملك عقله من بني آدم رجلاً كان أو امرأة..، وإن كان في ادعاءات كمال العقل ونقصانه، وجنسي النوعين ازدواجية لا يمكن أن يقبل بها إلا من هم شرٌ من البهائم. ذكر د. محمد آل زلفة في دفاعه عن مبدأ التعيين في مجلس الشورى مثالاً واقعياً يشهد ببعد نظرته وواقعيتها قائلاً: "لو استُفتي الشعب عن تعليم المرأة قبل خمسين عاماً لكان نصف المجتمع اليوم جاهلاً".. وهذا ما كان ثلة خوارج العصر يريدونه لو كان الأمر بأيديهم..