يرى البعض في موقعه الوظيفي فرصة ذهبية لتحقيق مصالحه ومكاسب خاصة له.. ويزداد حجم القدرة على تحقيق هذه المصالح والمنافع الشخصية حسب موقع المسؤول وحجم نفوذه، فتجد هؤلاء المسؤولين الذين حولوا الوظيفة من خدمة للمجتمع والوطن، إلى خدمة مفرطة في الأنانية لمصالحهم.. يتحول أحدهم إلى تاجر يُوظّف كل إمكاناته للحصول على أكبر نسبة من المكاسب، فتجده يؤسس مؤسسات وشركات من الباطن بأسماء الأبناء والزوجة والأقارب حتى يتمكن من خلال وظيفته من تسهيل كل ما يعترض تلك الشركات، مستفيداً من موقعه الوظيفي أو يساعد تلك الشركات والمؤسسات الخاصة بأسرته في ترسية بعض العقود الحكومية أو الخاصة عليها، وهذا ما ثبت، من خلال ما تعمل عليه "هيئة مكافحة الفساد"، حيث اتضح لها أن نسبة كبيرة من المشروعات الحكومية المتعثرة في بعض المناطق والمحافظات والتي لم تجد من المسؤولين في الإدارات التي تنفذ لها أي محاسبة أو متابعة للشركات القائمة بها؛ نتيجة أن أصحاب تلك الشركات على علاقة بأولئك المسؤولين، وهو ما يعزز من توجه هيئة مكافحة الفساد في إقرار الذمة المالية. الوظيفة وموقع المسؤولية يفرض على من يتولاه أن يتحلى بالنزاهة، وأن يكون هدفه الأول هو خدمة المجتمع والوطن؛ فالمسؤول الذي يجمع بين كرسي المسؤولية وبين التجارة - خاصة إذا كان لها ارتباط بموقعه - سيكون غير قادرٍ على أداء مهام وظيفته على الوجه المطلوب، وسيكون همّه الأول أن ينمي عمله الحر، ومن الخير له في هذه الحالة أن يترك كرسي الوظيفة لغيره، ممن هو قادر على أن ينفذ مهام الوظيفة على أكمل وجه. جمع مفسدة وأكد "د.علي عدنان عشقي" - أستاذ جامعي- على أن الجمع بين الوظيفة العامة والتجارة مفسدة؛ خاصة إذا كان لأعمال المسؤول التجارية علاقة بموقعه الوظيفي، أو يتيح له موقعه الوظيفي إمكانية معرفة أهم المشروعات التي سيتم طرحها عن طريق إدارته، ويستخدم موقعه الوظيفي لترسيتها على مؤسسات أو شركات خاصة به. وقال: إن بعض المسؤولين يهرب من مسؤولية الكشف عن علاقته بتلك الشركات أو العمل التجاري بتسجيلها بأسماء أبنائه أو زوجته أو أقاربه؛ حتى يهرب من المساءلة وجعل كل الأمور "في السليم"، مبيناً أنه على الرغم من أن هذا تدليس وأسلوب ملتوٍ، لكن لا أحد يقدر أن يتهم المسؤول بالتلاعب وتوظيف موقعه الوظيفي لمصالحه الخاصة؛ كونه يوهمهم إن كل شيء قانونياً وسليماً. "تحت الطاولة" وأشار "سعيد العمري" - مهتم بالشأن الاجتماعي - إلى أن الجمع بين الوظيفة العامة والتجارة سيؤثر على أداء المسؤول في الوظيفة العامة، ويركز اهتمامه على عمله الخاص؛ وبالتالي سيقود هذا إلى التسيب وإهمال المصلحة العامة وأداء واجبات الوظيفة من قبل جميع العاملين في تلك الإدارة أو الوزارة، وهذا أحد الأسباب التي عصفت بكثير من خدماتنا وأداء بعض المسؤولين لواجباتهم الوظيفية. وقال إن المسؤولية تتطلب روح المبادرة والحرص على المصلحة العامة، داعياً أي مسؤول يجد أن التجارة أفضل له من الوظيفة العامة أن يترك الوظيفة لغيره ويتفرغ للتجارة، وألا تكون المسؤولية جسراً يحقق المسؤول من خلاله فرصة كسب أكبر لأعماله التجارية وشركاته؛ لأن هذا يعد خيانة للأمانة واستغلالاً للمنصب لتحقيق مصالح خاصة، باتباع أساليب من "تحت الطاولة"؛ كأن تكون أعماله الخاصة بأسماء أقاربه. وأضاف أن الواقع يكشف أن هناك كثيراً من المسؤولين يستغلون مناصبهم الوظيفية ومراكزهم الإدارية في تحقيق مصالحهم الخاصة، إما عن طريق ترسية بعض عقود تلك الوزارة أو الإدارة على شركاته ومؤسساته بشكل غير نظامي، أو من خلال الحصول على نسب معينة من قيمة تلك العقود عن طريق تسهيل ترسيتها على بعض الشركات التي يرتبط مع أصحابها بعلاقة، مرجعاً ذلك أنه من أسباب الخلل والفساد التي عانت منها المشروعات الحكومية؛ لأن ذلك المسؤول سيكون مُكبّلاً ولا يستطيع إتخاذ أي قرار ضد أخطاء تلك الشركات حتى لا ينكشف أمره. ننتظر مشروع «إبراء الذمة» للحد من التكسب غير المشروع من الوظيفة وتسجيل شركات بأسماء الأبناء أو الزوجة طرق كثيرة للالتفاف وبيّن "د.إيهاب السليمان" أن الجمع بين الوظيفة الحكومية والتجارة ممنوع نظاماً، ولكنه موجود فعلياً على أرض الواقع، وهذا فيه تحايل على النظام، وله الكثير من الآثار السلبية على المصلحة العامة والوطن؛ لأن العلاقة التجارية إذا كانت مرتبطة بموقع المسؤول فهذا يؤدي إلى عدم النزاهة والفساد، مبيناً أن العالم الذي يتمتع بشفافية لا يمكن أن يسمح لأي مسؤول مهما كان منصبه من استغلال موقعه الوظيفي لتحقيق مكاسب ذاتية، في ظل وجود محاسبة شديدة لمن يستغل الوظيفة لأغراض شخصية؛ لأن الوظيفة وجدت لخدمة الوطن والمجتمع، وليست لخدمة مصالح المسؤولين، وحتى عندما يحاول أحدهم إبعاد الشبهة عنه بتسجيل شركاته باسم زوجته أو أبنائه فهذا من السهل كشفه في الوقت الحاضر إذا أردنا حماية الوطن من الاستغلاليين والمنتفعين، فلو وجدنا أن رصيد الزوجة والأبناء قد زاد بالملايين بعد توليه المنصب، فهذا يتطلب البحث والمحاسبة؛ حماية لمصلحة الوطن وكشف لصوص كراسي الوظائف. وقال إن مليارات مشروعات الخدمات العامة تذهب في بعض الأحيان لشركات المسؤولين في الإدارات المسجلة بأسماء أقاربهم أو معارفهم، والكثير من هذه المشروعات لو راجعنا مواصفات تنفيذها سنجدها لا تستحق (10%) مما صرف عليها، وهذه أمور تكشف بعضاً منها من خلال وجود "هيئة الفساد" التي وضعت يدها على وجود الكثير من المشروعات المتعثرة منذ سنوات، ولكن لم يكن أحداً ليسأل أو يحاسب من تلاعب فيها من قبل..!. تمرير تجاوزات ويرى "م. خالد الزهراني" أن من حق الموظف أن يُطوّر دخله، ولكن بشرط ألا يكون ذلك على حساب وظيفته الأساسية، وألا يكون باستغلال منصبه في تحقيق مكاسب شخصية؛ لأن الدولة أعطت الموظف ويأخذ حقه كاملاً، ولكن إذا وجد مصدر دخلاً للموظف لا يؤثر على أدائه لوظيفته ولا يكون من خلال تمرير بعض التجاوزات لتحقيق مكاسب مادية من خلال منصبه فلا ضير في ذلك. وقال:"استغرب من توجه بعض موظفي القطاع العام بالجمع بين وظيفتهم في الدولة وبين العمل في عدة قطاعات خاصة، وهذا في الواقع سيؤدي إلى إخلال الموظف بواجباته الوظيفية العامة مثل بعض الأطباء الذي تجده يعمل في مستشفى حكومي وفي نفس الوقت يعمل في مستشفى خاص، وبعضهم عندما يراجعه المريض في عيادته في المستشفى الحكومي يحوله للمستشفى الخاص، وهذا يتطلب نظاماً قوياً يُوقف مثل هذه التجاوزات حتى لو وصلت إلى منعه من مزاولة المهنة". صفقات مشبوهة كشفت عن مظاهر الفساد المالي في بعض الجهات د.علي عشقي م.خالد الزهراني د.إيهاب السليمان سعيد العمري