ما الذي من الممكن أن يجلب لك السعادة؟ ما هي اللحظة الفارقة والتي قد تنقلك من عالم مغلق إلى عالم منفتح على الحياة؟ هل الركض المتواصل من أجل تحقيق الطموحات هو طريق السعادة؟ أم أن الغاية من هذا الركض هي السعادة ذاتها؟ تركض.. وتواصل الركض ليل نهار من أجل أن تصل إلى ما خططت له: شهادة إن كنت طالباً.. نتيجة بحث إن كنت باحثاً.. ملامسة نجاح عملي إن كنت تعمل.. تحقيق ثروة إن كنت تسعى إليها.. وقد تصل لكن هل ستلامس السعادة لحظتها، أم أن السعادة تلاشت مع الطريق الذي كنت تركض فيه؟ وهل السعادة ترتبط بالبحث.. وتغادر عند الاسترخاء؟ الباحثون عن السعادة مثل الباحثين عن حياة مفقودة.. وهو بحث لا يتشابه من شخص إلى آخر، لكنه في الأصل طريق واحد.. فما تبحث عنه لتصل إلى لحظة سعادة قد يكون لديّ ولكن سنتحرك في نفس الطريق مع اختلاف الأهداف ومع اختلاف ما يريد كلّ منا.. شخص ظل لسنوات طويلة يجمع المال، ويحرم نفسه من أبسط الأشياء.. يراها، ويستكثر أن يدفع فيها.. حرم نفسه، وأطفاله من كل شيء والسبب الحصول على مسكن.. وبعد سنوات طويلة من الكفاح وجمع المال.. اشترى المسكن.. ولكن هل استرخى؟ هل انتهت الطموحات، أم أن طموح المسكن هو الطموح الأول؟ هل جلب له السعادة التي كان يتغنى بها ويحلم ويربطها بالمسكن الذي سوف يشتريه ويحل كل همومه، ويغطي كل أوجاعه؟ سكنَ في المنزل.. واكتشف أنه تجاوز تفاصيل صغيرة في الحياة كان ينبغي أن يستمتع بها.. كان ينبغي أن يعيشها قبل هذا الموعد.. الآن وجِدت أمامه، ولم يستطع أن يشعر بها.. تجاوزته.. انفصل عن واقعه.. لم ينوّع أو يشكّل في طموحاته.. لم يكسر هذا الاتجاه الواحد.. ليتوقف ليلمس متعة حتى وإن كانت وقتية.. اعتاد أن يجمع ولذلك هو الآن يرفض أن يغادر هذا الطريق.. سكن ولم يعد المنزل هو الطموح.. لكن ظل الطريق الذي سوف يسلكه لم يتغير، هو نفس الطريق.. طريق جمع المال لماذا؟ ربما لمنزل آخر للأولاد عندما يكبرون.. اعتاد على هذا الطريق ولم يعد قادراً على التغيير واختيار طريق آخر.. ذاته تشكلت في استرداد تفاصيل طموح عاشه شاباً ويواصله الآن بعد أن تغير العمر.. ذاته لم تكن مجتمعاً كبيراً يلامسه.. أو شيئاً مفيداً لحياة أكبر.. حصر نفسه في ذات محدودة لا تستطيع أن تتواءم مع ذات أخرى لتقوم بما هو أكثر إفادة لآخرين خارج دائرته.. طموح يمتد إلى الأفق المفتوح ويرتكز على تحقيق ما نريد وهو الامتلاك لمنزل، أو سيارة، أو عمل يُقال إنه يجلب السعادة لكن بصورة مؤقتة.. وكما تقول الأبحاث إن الامتلاك ليس له تأثير مستدام على الشعور بالرخاء.. لذلك لايمكن أن يتشكل الطموح المؤدي إلى السعادة ولو المؤقتة من طريق واحد تسلكه وتستسلم لمطباته حتى يتحول إلى طريق مغلق، تعاود مرة أخرى الانطلاق فيه بعكس السير لتعود مصححاً المسار في الطريق ذاته.. ولكن بنفس الطموحات ذات السعادة المؤقتة.. إنه عالم مغلق يستسلم له الكثير حتى وإن اختلفنا معهم بقيم لا تتغير، وولاءات لا تتبدل..