لست بصدد تعريف للوطنية أو حث القارئ على أهميتها؛ لكن ما دعاني لكتابة هذه الخاطرة حقيقة دائماً ما تدور حولها المقالات والمؤلفات، بل «الحوارات» وهي «الوطنية الحقّة» والصادقة كيف وبماذا يتم ترسيخها شعوراً عملياً لدى الأجيال الحاضرة والقادمة تزامناً مع الصراعات الفكرية والعولمة الإلكترونية والفضائية الملتهبة.. يقول أحد الحكماء: «حينما تضيع معاني الديِّن تصبح العبادات عادات، والصلاة حركات، والجهاد تفاخراً». رسخت في ذهني هذه الحكمة وقلت في نفسي ينبغي أن ندرك فحواها ومقاصدها الجميلة بأن تكون أنموذجاً ومنهجاً لفهمنا معاني كثير من الأمور الحياتية والفكرية والعقائدية، من ذلك «الوطنية». شدّني ما طرحه فضيلة الشيخ عبدالمحسن العبيكان حول «تحيّة العَلَم» وما كتبه الأستاذ زياد الدريس تحت عنوان «لا إكراه في الوطنية». أتفق - ومثلي لا ينقد أو يقوّم - معك اخي القارئ بأن «الوطنية» ليست مسمّيات أو «قصائد معاريض» أو «مقالات تمجيد» فقط إنما هي عملٌ وبذل هدفه خدمة كل من أسدى لك الجميل والعون في هذا الكيان «الوطن» الأخ، والأب والمسؤول والجار والعامل والأمّ والأخت.. أمّا كيف يكون فإنه تلك المعاني التي ألمحتْ لها تلك الحكمة وما حث عليه الحديث النبوي الشريف «اعملوا فكلٌّ ميسرٌ لما خُلق له». مئات الطلاب يستعدون هذا العام لحزم حقائبهم نحو الابتعاث والدراسة بالخارج على نفقة الدولة، المقصد أن الوطنية الحقة بأن يعودوا أنموذجاً للمواطنة الصادقة خادمين لهذا الوطن في المجال الذي راحوا لأجله وتخصصوا فيه كالطب، والهندسة والعلوم التقنية المتطورة... العالم ورجل الأمن والمعلم والطبيب والموظف الصغير والمسؤول والأمير ينبغي أن يساهم في المجال الذي فيه بخدمة مواطنيه وإخوانه حسب طاقته، «الخطيب والعالم» يكون أكثر تأثيراً لنصح من حادوا عن جادة الصواب والهداية.. بذلك يكون الجميع حققواً «الوطنية» ولم يضيِّعوا معانيها كلاماً يصف في الصحف أو المجلات أو القصائد الشعرية غير الصادقة.. ثم هي نقطة على الحروف الذهبية بأن نساهم جميعاً في علاج حواجز استشعار الوطنية الحقّة بالنصح الصادق والنقل الدقيق تجاه قضايانا دون تعلّق بها كشماعات تصوّرها الألسن باسم «البطالة» و«الفقر» .. حينما نغفل معاني الوطنية فإننا ندرك معنى: أن الخالق سبحانه هكذا قسم الأرزاق والبشر كلٌ حسب جهده وعمله وأن المؤمل أن تكون «الوطنية» تلمسٌ منا جميعاً لمن وقفت أمامهم تلك الابتلاءات وأن نُساهم لحلّها أو على أقل حال نوصلها إشارات لمن يملكون علاجها دون زيف أو ضياع لمعانيها الحقيقية..