طعم منتخبنا الوطني كطعم القهوة تماماً، فهو بقدر مرارته التي بتنا نتعاطاها منذ سنوات إلا أننا أصبحنا نتكيف معها حد الإدمان. صحيح أننا لا نستأنسها، لكننا أصبحنا نرتشفها قسراً على طريقة شئنا أم أبينا!. الراصد لواقع المنتخب السعودي يدرك أنه قد خلع عن نفسه خلال السنوات العشر الأخيرة، بل وأكثر كل جلالبيب الزعامة، فلم يعد سيداً للعرش الآسيوي، ولا المتصرف باسم الكرة الخليجية، ولا الباب العالي للكرة العربية، ولا السفير فوق العادة في المونديال العالمي. المنتخب السعودي وفق كشف حسابات اليوم، وبالاستناد على لغة الأرقام؛ وبعيداً عن أدوات الإنشاء، وبمنأى عن صفحات التاريخ هو منتخب عادي جداً، بل أقل من ذلك، ومن يكابر على الحقيقة، أو يجادل فيها، فإما أنه سفسطائي متفذلك، أو جاهل معذور!. يكفي فقط عجزه عن حجز مقعد له في "المونديال" في دورتين متتاليتين، ليحال إلى هامش خارطة كرة القدم العالمية، ويكفي كذلك أن يفشل في استعادة لقبه الآسيوي الضائع خلال أربع بطولات متتالية، بل ويعجز عن عبور الدور الأول في آخر بطولة ليرمى خارج دائرة منتخبات النخبة في القارة، وحسبه أن يسقط أمام نظرائه الخليجيين في البطولات الخليجية الأربع الماضية ليخسر مكانته باعتباره الرقم الأصعب في المعادلة الإقليمية، والأمر ينسحب على وجوده في المعادلة العربية؛ إذ ما عاد يحمل ذات القيمة التي كان يحملها يوم أن كان أحد زعماء العرب المتوجين!. ذلك جزء من الواقع المرير وليس كله، ففقدان السيادة إنما هو كرأس جبل الجليد، إذ الواقع أصعب وأمر، لكن هل هذا يعني أن نتخلى عن "أخضرنا" حين يطل برأسه اليوم في المشهد الخليجي؛ سعياً وراء استعادة شيء من وهجه المنطفئ؟!، وهل يبرر لنا ذلك أن نحمل تشاؤمنا على ظهورنا ونذهب معه به أينما حل وارتحل؟!، وهل من العقلانية في شيء أن نظل نجلد ظهره بمفردات التثبيط، وعبارات التقريع بذريعة الشفافية والمنطقية؟! "الأخضر" اليوم وإن اختلفنا مع واقعه فلا ينبغي أن نختلف عليه، أولاً لأنه منتخب الوطن ولا بديل لنا عنه، وثانياً لأن لغة الإحباط في هذا التوقيت تحديداً لن تجلب له نفعاً بقدر ما ستجلب له الضرر، وثالثاً لأن بطولة كبطولة الخليج تنصهر فيها العوامل النفسية بالفنية؛ ولذلك فإذا لم نكن له كإعلام وجماهير داعمين، فلا أقل من ألا نكون معرقلين. إذاً ليس مطلوباً من أنصار "الأخضر" بكل فئاتهم اليوم، وقبل أن يبدأ مشواره في "خليجي 21" بمواجهة المنتخب العراقي غداً في بداية مشواره لاستعادة الكأس، واستعادة عافيته قبل ذلك، إلا أن ينصهروا في بوتقة التفاؤل قسراً؛ حتى وإن لم يجد بعضا منهم ما يحرض على ذلك، وليتعاطوا معه كما يتعاطون مع القهوة حين نستطعمها ونتلذذها على الرغم من مرارتها.. أولم أقل أنه "أخضر" بطعم القهوة!.