لم يعد خافياً على كل ذي رأيٍ وبصيرة، ذلك العبث السياسي الذي تمارسه بعض النُّخب العربية باسم الليبرالية والديمقراطية، وباسم الحريات السياسية، وحقوق الإنسان، وهي لا تعدو أن تكون دعاوى زائفة، وأقاويل باطلة، اتُخذت غطاءً لممارسات سياسية انتهازية ضيقة الأفق، تُغذيها المصالح الخاصة، والمنافع الشخصية، والأهواء العابثة، تتمترس خلف إطارٍ ليس بإطارها، وأهدافٍ ليست بأهدافها، ولا غاياتها. في المشهد المصري أنموذجاً وواقعاً، تبدو بعض القوى السياسية التي تُصنّف نفسها بالليبرالية والمدنية، في حالة من الهشاشة والفوضى الفكرية والسياسية والسلوكية، على وقعِ الرصيد الشعبي للقوى الإسلامية، ونجاح الأخيرة في الاستحقاقات الانتخابية البرلمانية والرئاسية. هذا الأمر أفقدها التركيز والوعي السياسي، فأخذت تتمرغ أكثر في وحل الانتهازية، عبر التحالف مع قوى سيئة السمعة، لا رصيد لها في الشارع المصري، وفي مقدمتها: فلول النظام السابق، وأصحاب المال والإعلام والفن الفاسد في محاولة محمومة ومستميتة لإقصاء القوى الإسلامية، والاستئثار بالسلطة والنفوذ السياسي، وبأي ثمن، وعبر أساليب وأدوات غير مقبولة، من أبرزها: الاستقواء بالأجنبي، وافتعال الأحداث والمشكلات، وتحريض المؤسسة العسكرية للانقلاب على الشرعية وإرادة الشعب، وإثارة النَّعرات الطائفية والفئوية، وبث الشائعات لخلخلة الأمن والاستقرار. والعمل وفق منهجية محددة لضرب الاستقرار الاقتصادي، وتعطيل دوران عجلة الإنتاج والتنمية، وصولاً إلى إفشال برنامج النهضة الذي يتبناه الرئيس المصري المنتخب الدكتور محمد مرسي. ومن ثمَّ إفشال التجربة الإسلامية في الحكم، والقضاء عليها في مهدها. كل ذلك يتم دون أدنى اعتبار للمسؤولية الوطنية، أو قواعد اللعبة الديمقراطية. ولا شكَّ أنَّ هذه السلوكيات الانتهازية، وأدواتها وآلياتها، وهذا التناحر والتناكف السياسي، لن يفضي إلا لمزيد من التعقيدات في المشهد السياسي المصري، وإلى استدامة المشكلات والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة. ومن ثمَّ فإنَّ الأمر يحتاج إلى وعيٍ مجتمعي ونخبوي بأهمية الاعتراف والقناعة معاً باللعبة الديمقراطية، مهما كانت نتائجها، والعمل على تهيئة البيئة المولِّدة لأُطر وقواعد الممارسة السياسية الإيجابية، التي تعتمد الشفافية والمنافسة البناءة، وتضع في مقدمة أهدافها تغليب مصالح البلاد والعباد، وخدمة أهداف الاستقرار والتنمية. فالرضا والقناعة بما تفرزه آلية الانتخاب، وصناديق الفرز، هي الضامن لحراكِ سياسي فاعل يؤدي إلى تداول سلمي للسلطة ، وتوطين مناخ صحي لهذه الممارسات، في إطار التعددية السياسية والحزبية القائمة. أمَّا ما يحدث الآن في مصر الكنانة، من قبيل فصيلٍ سياسي يفتقد زخم الشارع، فهو في تقديري سباحة ضد التيار، ولا يخدم معطيات الاستقرار والتنمية، بلْ يستهدف تفريغها من مضمونها وكنهها الأساسي. على أيَّة حال فإنَّ الرِّهان في هذه المرحلة التاريخية المأزومة، سيكون حتماً على وعي المجتمع المصري وحسه الوطني والديمقراطي. وإقرار الدستور المصري بأغلبية مريحة، يؤكد صوابية هذا الرِّهان، والقدرة العالية لمخزون هذا الوعي في التمييز بين الغث والسمين، والحق والباطل، والصالح والفاسد، والوطني والانتهازي. وفي النهاية، وكما يقال لا يصح إلا الصحيح. كلمة أخيرة: لا تتوفر على المستوى المجتمعي العربي، على الأرجح، ثقافة اللعبة السياسية الديمقراطية، وأدواتها، وآلياتها، أو حتى البيئة القانونية والتشريعية الحاضنة لها، التي تحفظ لها عنفوانها وشفافيتها، بعيداً عن الممارسات الخاطئة، والمصالح الضيقة. حِكمة: "الحقُّ أَبْلَجُ وَالبَاطِلُ لَجْلَجٌ".