الرياضة أصبحت حاضراً صناعة، لذا لم تعد متابعتها مقتصرة على الرياضيين، هناك آخرون ليسوا بالوسط الرياضي وأصحاب مسؤوليات كبيرة ومهام بعيدة عن الرياضة، لكنهم يعشقونها حديثاً أو منذ فترة. الوجه الآخر الرياضي لغير الرياضيين تقدمه «دنيا الرياضة» عبر هذه الزاوية التي تبحث عن المختصر الرياضي المفيد، وضيفنا اليوم هو الكاتب الصحفي والمعالج السلوكي والمعرفي الدكتور عبدالله الحريري : * النجاح الكبير الذي حققته الرياضة السعودية في أول عملية انتخابية متكاملة لاختيار رئيس وأعضاء مجلس اتحاد الكرة هل يعني أن الرياضة باتت تقود المجتمعات للكثير من الوعي بأثرها وتأثيرها؟ - أصبحت الرياضة اليوم أحد المكونات الثقافية للشعوب ومعياراً من معايير مستوى التحضر والوعي والاستبصار، ولكونها تتمتع بالشعبية وخاصة لدى فئات الشباب فتأثيرها على وعي الشباب وتفكيرهم ذو تأثير كبير. * لامست هما عندما كتبت عن دور انعدام الأنشطة التي تساعد الجسم على استهلاك وتوظيف الطاقة الناجمة عن مدخلات الجسم في ازدياد حالات السمنة والسكر والاكتئاب والقلق وبعض الأمراض الشائعة؛ ماهي أقصر الحلول بنظرك؟ - التحديات التي تواجه الشباب اليوم هي ممارسة الكثير من العادات السلوكية الخاطئة والتي لا تتناسب مع أعمارهم ولا تدعم صحتهم وأكثرها سلوكيات انغماسية أو ادمانية لساعات طويلة دون ممارسة أي نشاط وتناول كميات كبيرة من السعرات الحرارية والدهون، وباختصار لا بد من كسر هذه العادات بعادات ايجابية كممارسة الهوايات التي تنمي الشخصية والعقل وأيضا ممارسة الأنشطة الرياضية المختلفة ولابد أن تخرجهم من الغرف المغلقة إلى الهواء الطلق وان تتولى أمانات المدن نشر المزيد من المراكز الرياضية والساحات في الأحياء وفي الحدائق. من يلجأ إلى التصنيفات والإقصاء إنسان فارغ فكرياً وسلوكياً ولا يؤمن بالمساواة * رأست يوما ما لجنة لرياضة المشي المنبثقة من مجلس منطقة الرياض ماذا قدمتم في هذه اللجنة وهل نشاطها لازال مستمرا؟ - كان ذلك قبل سنوات عدة وقد أوصينا في حينها بأن يتم تحديد يوم خاص لممارسة رياضة المشي بالترتيب مع الرئاسة العامة لرعاية الشباب ويطلق عليه يوم رياضة المشي، وان تقوم أمانة الرياض بتخصيص أماكن تكون مخصصة وجاهزة لمزاولة رياضة المشي وإنشاء مضامير للمشي في الحدائق وحول المدارس ومصليات العيد وبعض المؤسسات الأخرى، وان يتم الاستفادة من المنشآت الرياضية الموجودة في القطاعات الحكومية وان تقوم وزارة الشؤون الإسلامية من خلال أئمة المساجد والدعاة بشرح فوائد المشي وغيرها من التوجيهات، وقد انتهت اللجنة في حينها بكتابة التوصيات على أن تتولى كل جهة حكومية تنفيذ ما يخصها ويمكن أن نشاهد ما قامت به الأمانة في هذا الخصوص من توفير مضامير المشي. * هاجمت بشراسة محبي الكرة وجماهيرها عندما شبهتهم حرفياً بمن يحلل وينظر في الألعاب الرياضية وهو لا يمارسها وربما غير مقتنع بممارستها ويضع نفسه على مستوى الخيال في مكان اللاعبين الذين يتعبون ويتمرنون ويتعرضون لألوان مختلفة من الإجهاد النفسي والعصبي؛ لماذا تصادر آراء الجماهير هنا تجاه أداء اللاعبين ؟ - الرياضة ممارسة سلوكية وفكرية وليست رفاهية ومن يعتقد بالرياضة يجب أن يمارسها بعيداً عن التنظير حتى لا يتحول الأمر إلى عملية اسقاطية شخصية ودفاعات لا شعورية وحتى يكون الإنسان إنموذجاً لنفسه والآخرين لابد أن يمارس ما يعتقد به حتى يكون شخصية مؤثرة ومقبولا رأيه لدى الآخرين. * يرى البعض أن الناقد الاجتماعي يتأثر بالجوانب الشخصية أحيانا مما يؤثر على عملية النقد سلبا وإيجابا هل ينطبق ذلك أيضا على الناقد الرياضي المتخصص ؟ - نعم فالجوانب الشخصية تؤثر في الميول والاتجاهات فالإنسان يؤثر ويتأثر بالمحيط الذي يعيش به وهناك ما يسمى بالميول الدفاعية اللاشعورية والتي يقوم بها الإنسان كالتبرير والإسقاط والتكوين العكسي والإعلام والنكوص قد تكون مؤشراً هاماً على ما بداخله وبالتالي يؤثر ذلك على العمليات المعرفية للرأي لديه. * بدأت تتفشى بعض السلوكيات والتصرفات والألفاظ الخارجة عن النص من المحسوبين على الوسط الرياضي بمختلف أطيافهم، ما السبيل لتكريس السلوك الحضاري في حياة النشء من خلال الرياضة؟ - بعض أولئك الأخوة يعاني من نقص في المهارات الاجتماعية وهي مهارات تكتسب بالتعليم من البيئة أو بالتدريب ومنها ما تطلق عليه مهارات توكيد الذات وهي مهارة سلوكية وفكرية تتناول أساليب التعبير المختلفة سواء لفظية أو جسدية وتؤكد على أن من حق الإنسان التعبير عن نفسه شرط عدم المساس بكرامة الآخرين أو ممارسة أساليب العدوان المختلفة ابتداء من المكتوب إلى العدوان الجسدي والإيمان بالحقوق الذاتية وحقوق الآخرين وعلى ضوء ذلك فإن الكثير من الأشخاص يحتاجون إلى برامج تدريبية ترفع مستوى المهارات الاجتماعية لديهم ومستوى توكيد الذات. * قدمت ورقة عمل لإبراز ملامح التحديات للخطة الإستراتيجية الصحية بمنطقة الرياض هل يمكن إعداد خطة إستراتيجية للأندية للمساهمة في وقف الهدر المادي الذي يصاحب إلغاء عقود المدربين واللاعبين الأجانب؟ - في الحقيقة يجب أن لا تكون قراراتنا وأفعالنا مجرد ردود فعل لأحداث أو مواقف أو إخفاقات، وعلى ضوء ذلك لابد أن نفكر ونسقط الأحداث والتطورات ونضع الخطوط الإستراتيجية لمواجهة التحديات بمختلف صورها، والرياضة تحتاج إلى خطة إستراتيجية وطنية يتفق عليها الجميع ولعشرين سنة مقبلة على الأقل ومنها موضوع التمويل والخصخصة وخلق جيل وطني محترف بإمكانيات عالمية وتنويع أشكال المراسلات الرياضية لنخرج من إطار كرة القدم لجميع الألعاب وحتى يكون لنا موضع قدم في المناسبات والمحافل العالمية. * ساهمت في تأسيس أول مركز للعلاج النفسي بالمملكة عام 1403ه، هل يمكن أن نصنف عمل أخصائيي إطلاق القدرات ضمن العلاج النفسي خصوصا وأن بعض الأندية استعانت بخدماتهم؟ - هم ليسوا معالجين نفسيين فبعضهم مهندس وآخر مترجم.. الخ. وما يقومون به هو نوع من أساليب التدريب على المهارات سواء فكرية أو سلوكية وبدون تعمق ومثل هذه البرامج مفيدة لتطوير الذات والتفكير. * تدرجت طويلا في سلم العمل الصحفي واطلعت على كافة فنونه وهمومه هل تتفق مع القائل بأن الصحافة الرياضية دون غيرها تأبى التوقف أمام الخطوط الحمراء؟ - اعتقد أن حرية الصحافة الرياضية في مجتمعنا تنحصر على مستوى المجتمع الرياضي المحدود في الأندية من الناحية الإدارية والفنية وأعضاء الشرف وهذه حرية خلاقة لا تصل إلى ثوابت وقيم المجتمع ولا تتحرش ببعض الأعراف والتقاليد. * كتابك الجديد والمعنون ب «كيف تكون جريئاُ وتتغلب على الخجل «هل تراه تأخر كثيرا وقد تعددت وسائل التعبير الإلكتروني وبات الكل يمارس الجرأة؟ - نعم تأخر كثيرا وهو نتاج لأبحاث على مستوى الماجستير والدكتوراه والخبرة العملية على المجتمع السعودي ويحتاجه أكثر من 25% من المجتمع السعودي تقريبا. * تغرد كغيرك من المثقفين في مواقع التواصل الاجتماعي، هناك من يرى أن هذه المواقع كشفت شخصيات مزدوجة لدى بعض الكتاب المثقفين والرياضيين واتجاهات سلبية، هل تتفق مع هذه الرؤية؟ - نعم اتفق مع هذا الرأي في مجتمعنا يعكس ذلك في المجتمعات الأخرى فهناك ازدواج في المعايير والسلوكيات وتناقض ومزايدات ما بين الواقع والعالم الافتراضي. * كيف صارت لغة المال والاحتراف طاغية على الإبداع والإخلاص عند اللاعبين السعوديين؟ - الموضوع موضوع أمان حياتي وكلما قل أو هدد الأمان الحياتي، زادت مخاوف الإنسان وبالذات من المستقبل وهذا ما يدفع البعض إلى البحث عن الثراء السريع لضمان مستقبله ومستقبل أسرته لأن هناك نماذج رياضية غائبة عن الساحة الرياضية بسبب الإهمال وعدم التقدير والعوز. * هناك الكثير من التصنيفات الغارقة في الإقصاء الثقافي، الاجتماعي والرياضي لماذا أصبح المجتمع مكبلا بها ؟ - من يلجأ إلى التصنيفات والإقصاء إنسان فاضفكريا وسلوكيا ولا يؤمن بالمساواة والعدل وحقوق الإنسان، وفاقد الشيء لا يعطيه وأغلب أولئك من باب خالف تعرف يندفع بحمق دون أن يعي أو يدرك أو يعرف ما يقول. * هل سبق أن اتخذت قرارا في حياتك وكانت النتيجة «تسلل» بلغة كرة القدم؟ وماهو هذا القرار؟ - التسللات كثيرة في حياتي ولكن لا اعتبرها فشلا بقدر ما أعتبرها المزيد من التعلم، ولا أميل للندم عليها لأني ساهمت فيها... وما دامت التسللات في إطاري الشخصي ولا تضر الآخرين فأنا أتحملها.. المهم أهم قرار وهو البعد مؤقتا عن العلاج النفسي لظروف خارجة عن الإرادة. لكنني أقدم بعض الاستشارات من خلال الإذاعات والقنوات الفضائية عند استضافتي كذلك من خلال موقعي، وبالاتصال المباشر وذلك بشكل مجاني، لأني اعتبر هذا واجبا دينيا وإنسانيا. * ما هي المساحة الحقيقية للرياضة في حياتك؟ - مساحة الرياضة في حياتي في الوقت الحاضر تنحصر في رياضة المشي وركوب الدراجة الهوائية فقط وآمل أن أعود قريبا إلى الاسكواش * بطاقتان إحداهما صفراء لمن ترفعها وأخرى حمراء لمن تشهرها؟ - البطاقة الصفراء لمن يقف أمام تقدم الرياضات الأخرى غير كرة القدم والبطاقة الحمراء ضد التعصب والعصبية الرياضية.