الرياضة أصبحت حاضراً صناعة، لذا لم تعد متابعتها مقتصرة على الرياضيين، هناك آخرون ليسوا بالوسط الرياضي وأصحاب مسؤوليات كبيرة ومهام بعيدة عن الرياضة، لكنهم يعشقونها حديثاً أو منذ فترة. الوجه الآخر الرياضي لغير الرياضيين تقدمه «دنيا الرياضة» عبر هذه الزاوية التي تبحث عن المختصر الرياضي المفيد، وضيفنا اليوم هو الأكاديمي والمثقف الأستاذ الدكتور محمد بن مريسي الحارثي: * حصلت على شهادتي الدكتوراه والماجستير، وكانتا أول رسالتين تناقشان في الجامعات السعودية في اللغة العربية عامة وفي تخصص النقد خاصة كيف تنظر لهذه الأولوية وكيف تكون الأولوية دافعا للرياضيين أيضا لمواصلة الإنجازات؟ - الأولية لا تعني دائماً التميز وإن كانت ذات أهمية في دفع الإنسان الذي وصل إلى شيء منها أن تكون دافعاً له إلى إنضاج تجاربه أو حب التطلع والابتكار مما يصب في رصيد إنتاجيته وبالتالي المشاركة في تنمية مناشط الحياة ولا تنسى أن منظومة الحياة ذات أبعاد تعددية يشترك في صناعتها بعدا النظري والعملي والثقافة أمر مشترك بين فئات المجتمع فالمعرفة إبداع فني والرياضة كذلك وأنا من المنتمين إلى الحسم الرياضي مستهلكاً لها غير منتج، خصوصا كرة القدم التي تملك عليّ كل قواي العقلية والنفسية، إذا كانت تمارس على مستوى تمثيل السعودية أو على مستوى نادي الاتحاد، هذا في رياضة الداخل أما رياضة الخارج الكروية فانا من الذين يستمتعون بمقابلات "البرشا" وريال مدريد. اللاعب السعودي يعاني من الوهن.. والمعلقون الرياضيون يحتاجون إلى دورات لغوية *النقد المنتمي، مات النقد عاش النقد ومفاهيم نقدية ملتبسة هذه وغيرها بعض عناوين لانتاجاتك العلمية في مجال النقد هل الناقد الثقافي يتأثر بالجوانب الشخصية مما يؤثر على عملية النقد سلباً وإيجاباً وهل ينطبق ذلك أيضا على الناقد الرياضي؟ - النقد الأدبي يقوم على الذاتية والمعيارية في تحليل النص الأدبي والناقد يكون هاوياً أو محترفاً والهاوي يهمه البحث عن النص المحقق لرغباته وانطباعاته الذاتية أكثر من تلك المعيارية والمحترف هو الذي يؤسس نظراته النقدية تأسيساً ذاتياً له مخزونه الذوقي الذي يسهم في اقترابه من مزاجية النص مضيفاً إلى ذلك وسائله المعيارية التي توسع نظرته الناقدة وتجعله يلتقي مع غيره ممن تتاح له فرصة النظر إلى نص المشترك، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يتخلص الناقد من خلفياته المعرفية وغير المعرفية إذا ما تناول نصاً ما لكنها لا تجور على المعيار بل تسير في ظله إذا ما استعان بها الناقد، وشأن الناقد الرياضي هو شأن الناقد الأدبي نظراً لقيام المنشط الرياضي في أي جانب من جوانبه على الإمتاع والفائدة. وهذا ما يحققه النص غير الرياضي. انظر إلى قراءتك لما يتحدث به وعنه الناقد الرياضي في تحليل اللعبة ومستويات الأداء إن كانت متطورة أو وسطية أو أقل من ذلك. وكيف يصل اللاعب الرياضي إلى مستوى العالمية وكيف يصل صاحب النص إلى العالمية إذا لم يكن هذا وذاك قد خضعا لمجهر التقويم. * مصطلح الشباب محور لايغيب عن الملتقيات والندوات الثقافية هل تتفق مع من يرى أن الشباب بات في عالم آخر في نظر المثقفين وعلماء الاجتماع مما احدث فجوة بين الشباب وبقية شرائح مجتمعهم الأخرى ؟ - الناس شباباً وشيباً أشبه بالعصور التي يعيشون فيها، ولكل عصر متطلباته التي تفرض ذاتها على حركة المجتمع والشيوخ هم مرحلة متحولة من مرحلة الشباب والاتصال بين المرحلتين لا يمكن أن ينفصل أو ينفصم لكن الأجيال يحصل بينها شيء من الحراك تفرضه طبيعة الحياة ومزاج العصر، والشباب المنتظر ولدوا في زمان غير زمان الكبار وفي ظروف غير ظروفهم، ولهم الحق في اختيار نمط الحياة التي يرغبون ممارستها وفق منظورهم لمستجدات الحياة. * اللغة العربية تقوم بوظائف أساسية وهذه الوظائف غالباً ما تقوم بمهمة تعديل السلوك؛ كيف يمكن أن تكون شهرة لاعبي الكرة أيضاً طريقاً لتكريس السلوك الحضاري في حياة النشء؟ - اللغة هي الهوية والهوية هي اللغة وبالتالي تجد الهوية هي السلوك السائد في مجتمعها والأداء اللغوي فيه البياني والمعقد والجميل والغامض والبعيد والقريب وغير ذلك من الصفات اللغوية حتى لكأنك تنظر إلى الشخوص نظرتك إلى تعدد مفردات اللغة وتراكيبها واللاعب العالمي هو الذي يحمل هويته معه في مكانه وخارج مكانه من العالمية إذا أراد أن يعبر عن حضارته تعبيراً صادقاً دون أن يزيف صورة حضارته وبالتالي صورته الإنسانية التي يشترك مع غيره من الأمم الأخرى في مشتركاتها. * عملت مدرساً بوزارة المعارف في بداية حياتك العملية هل كنت حينها شاهدا على بروز الرياضة المدرسية في المدارس؟ - كنت شاهداً ( ما شفش حاجة ) إذ لم تكن ممارسة الرياضة بمثل هذه الإغراءات الكبيرة لمن يمتلك القوى الرياضية التي تهيئه للانخراط فيها وتجعله يفكر تفكيراً مادياً لغلاء الأقدام في هذه المرحلة وكان أحد أساتذتنا يفكر تفكيراً متأخراً في أنه لو استقبل من أمره ما استدبر لأدخل أبنائءه الأندية الرياضية لأن مواصفات الرياضي تنطبق عليهم جميعاً لأطوالهم الفارعة وبنياتهم الممتلئة وضعفهم في الدراسة. * مناهج التربية البدنية تغوص في الجوانب العلمية والنظرية كثيرا في كليات التربية هل تراه سببا كافيا في ضعف مخرجاتها في مدارسنا ؟ - لم أطلع على مناهج التربية الرياضية، لكنني لاحظت تطوراً جيداً في مخرجات قسم التربية الرياضية بجامعة أم القرى ولعل هذا يعطي مؤشراً على جودة المناهج ومناسبتها بمخرجات الرياضة. * في الرياضة يحصد الفائزون والمبدعون الكؤوس، فما الذي يقابل ذلك لدى المثقفين المبدعين؟ - الإبداع مغرمٌ وليس مغنماً وتكريم المبدع متحققٌ وإن كان على غير مستوى تكريم الرياضي. * نتاجك الفكري متنوع وغزير في مجالات عدة من عشرات البحوث المنشورة إلى عشرات الكتب المطبوعة هل باتت الرياضة لدينا بحاجة للبحوث والنتاجات الفكرية حتى تتفوق خارجيا ؟ - إلى هذه اللحظة لم تحظ الرياضة عندنا بدراسات رياضية تضع هذه الحركة العالمية مكانها من الأهمية تخطيطاً وتنفيذاً انظر إلى مستوى الثقافة الرياضية عند اللاعب التي لا تختلف عنها عند غيره من خارج الرياضة. * الاهتمام بأدب الطفل وثقافته لايكاد يذكر في الأندية الأدبية هل يسري ذلك على اللاعبين الناشئين في الأندية الرياضية ؟ - ثقافة الطفل في بيئتنا الثقافية تكاد تكون في مستوى واحد بين ثقافة الرياضة والثقافة العامة، وقد أقام نادي مكة الثقافي الأدبي ملتقى عن ثقافة الطفل ناقش فيه أكثر من ثلاثين بحثاً ونشرها مطبوعةً تناولت ثقافة الطفل ولم أسمع أن جهةً ما مهتمة بثقافة الطفل قد تواصلت مع النادي لاستثمار تلك الدراسات في ما يعود بالنفع على تنمية ثقافة الطفل، فكيف تريد الوصول إلى ثقافة الرياضي عن طريق لا ثقافة. * حطمت المسابقات الثقافية احتكار المنابر الإعلامية وأعطت فرصة للموهوبين للبروز والإبداع كيف نمنح مواهب الكرة السعودية الفرصة والثقة مجددا؟ - اقترح تنمية أكاديمية الرياضة السعودية في مؤسسة مستقلة مزودة بكل ما تحتاجه الرياضة في كل فروعها تستقبل أصحاب المواهب الرياضية والقدرات المتميزة وتحتضنه لنصل إلى مخرجات رياضية قائمة على أسس علمية نظرية وعملية. * كتبت العديد من الزوايا الصحفية في الصحف والمجلات السعودية والخليجية وقدمت مجموعة من الدراسات النقدية لمجموعة من التجارب الإبداعية من خلال الصحف هل تتفق مع من يردد أن مساحة الحرية والجرأة في الصحافة الرياضية أكثر منها في أي مجال آخر؟ - هامش الحرية خصوصا في هذه المرحلة يتسع لكل أحد للمثقف والمبدع والرياضي، لاسيما بعد دخول الآلة الإعلامية المتطورة والتواصل الحضاري في غير مهمة حضارية. والجرأة في الرياضة ربما تكون أقل خطراً من الجرأة في الفكر. * تحدثت في محاضراتك الثقافية كثيرا عن الحوار في عصرنا الحديث هل ترى أن التعصب الرياضي وصل مداه وبات الحوار المتزن غائبا؟ - الحوار بمفهومه العام لم يأخذ وضعه الطبيعي عندنا على مستوى الفكر والتنمية. فكيف تريده ناضجاً في الرياضة ؟ ان الحوار له آدابه ومنطلقاته وحقائقه التي يجتمع المتحاورون حولها اختلافاً واتفاقاً على مبدأ الخلاف لا يفسد للود قضية. لكن الحوارات العربية مريضة برؤية ( إذا لم تكن معي فأنت ضدي ) وهذا مرضٌ عطّل الحوار كثيراً. * سيرتك الذاتية تسرد في ثناياها الكثير من مراحل النجاح والعطاء المتوقد هل تأثر بعض اللاعبين اليوم بالكسل والشكليات فباتوا لا يقدمون المتعة الكروية ؟ - اللاعب السعودي بشكل عام فيه وهنٌ من حيث مستوى الحرفية والاتكالية وعدم تطوير الذات الرياضية بما يحقق العطاء الرياضي لذلك تجد عمر اللاعب الرياضي السعودي قصيراً من حيث مواصلته وتطويره لذاته وفق وظيفة الرياضة التي تتطلب دائماً المحفزات الذاتية والبحث عن المستوى الرياضي المأمول. * كيف صارت لغة المال والاحتراف طاغية على الإبداع والإخلاص عند اللاعبين السعوديين؟ - اللاعب السعودي من أفقر اللاعبين عالمياً مستوىً ومادةً. لسببٍ واضح أن الأندية تخاف كثيراً من زيادة الجرعة المادية للاعب الذي يخشى منه أن يكون في غير مستوى المادة. ولك أن تقارن بين اللاعب الوافد واللاعب المحلي من حيث المستوى المادي وحتى المستوى المعنوي. أعطوا اللاعب السعودي حقه من العناية والاهتمام معنوياً ومادياً ووفروا له متطلبات اللعبة وفرصة حرية الاختيار بين الأندية ومراكز اللعب التي يقدم عطاءً لا بأس به. * أنتم المثقفون تحاربون الشعر العامي علنا وترونه قد أفسد ذائقتنا للشعر الفصيح ماهي وصيتك كمثقف لبعض لمعلقين الكرويين الذين افسدوا ذائقة المشاهدين؟ - أنا أقول الشعر العامي والفصيح كذلك، والعامي ثقافته ثقافة شعبية لا يرقى إلى مستوى الفصيح وإن كان يحمل مفاهيم تصلح للعامة. وسمعت معلقاً رياضياً يعلق على مباراة مباشرة يقرأ قول الله (الأخِلّا ءُ) (الإخْلاءُ) فحرمني متعة مواصلة النظر إلى المباراة ومتابعتها، والمعلق سعودي والمباراة سعودية. أنصح بإعطاء المعلقين الرياضيين دورات لغوية أو اختيار المعلق صاحب اللغة المستقيمة. * هناك الكثير من التصنيفات الغارقة في الإقصاء الثقافي والرياضي لماذا أصبح المجتمع محاطا بها ؟ - الإقصاء والمصادرة ظاهرة عربية ليست على مستوى الرياضة إنها على مستويات كثيرة. ونظراً لتغلغلها في بنيات المجتمع وطبقاته ومستوياته الثقافية وغير الثقافية انتشرت هذه الظاهرة وأصبحت لازمة عربية تجدها في كل مكان. * شاركت في مهرجانات ثقافية وأمسيات أدبية عدة هل تتفق بأن تعدد المشاركات الكروية في الموسم الواحد يرهق اللاعبين ؟ - اللاعب الذي يواصل تدريباته ويصب همه كله في الرياضة لا يتعرض للإرهاق وبخاصةٍ ان الممارسات الرياضية مبرمجة وفق قدرات وطاقات اللاعبين. لكن أكثر اللاعبين عندنا لا يستثمرون أوقاتهم في ما ينمي قدراتهم الرياضية. تجدهم في طعامهم على غير نظام صحيٍّ يساعدهم على اكتمال البنية الجسمية. * هل سبق أن اتخذت قرارا في حياتك وكانت النتيجة "تسلل" بلغة كرة القدم؟ - أكثر من قرار .. اتخذته وفيه شرود. * ما هي المساحة الحقيقية للرياضة في حياتك؟ - قبل التقاعد كانت مساحة المشي واسعة جداً أمارسها يومياً بالساعات وتأتي بعدها السباحة.