في العالم العربي أيها السادة لا تستغربوا شيئاً فقد أصبح بلد العجائب وبلد الغرائب وكأنه مغارة علي بابا أو حقيبة الحاوي التي يخرج منها ثعابين، وعصافير، وقنافذ، وربما حوريات البحر ..!! لا تستغربوا من أن يخرج عليكم بائع خضار أو بائع خردة أو ماسح أحذية ويعلن أنه أصبح طبيباً، وأنه يستطيع أن يشفي المريض وأن يُبرئ الأكمه والأبرص، بلمسة أو بنفثة .. فلقد أصبح كل شيء ممكناً وجائز الحدوث .. فالذي يتتبع حالتنا السياسية والثقافية، والفكرية سوف يصل إلى هذه النتيجة : فالأبله أصبح سياسياً، والبلطجي أصبح روائيا كبيرا.. والموسوس والمعتوه والأحمق صار حكيما كبيرا .. والأمي صار شاعر الأمة وبلبلها الصداح.. بل لقد صار الحمار مطرباً.. والمطرب حماراً، والمعشوق والحبيب هما أيضا كذلك "بحبك يا حمار"..!! إنه عالم منفلت ضائع مرتبك.. يمكن أن يحمل بكل شيء، وأن يحبل بأي شيء، وليس من المستغرب أن تضع امرأة "ما " في عالمنا العربي بدل الطفل فيلًا، أو حماراً .. وربما ناقلة جنود.. واسمحوا لي على هذه الشطحات اللفظية والفكرية والخزعبلات السريالية المضحكة لأن الوضع القائم أكثر شطحانا وزيغاً وسريالية.. ومن هنا دعوني أتحدث تحديدا عن حقوق الإنسان في عالمنا العربي.. فبعض كهان حقوق الإنسان لدينا عندما يدافعون عن الإنسان إنما يدافعون على الورق وتتقطع قلوبهم على الورق، ويحترق وجدانهم على الورق، ولكنهم أمام الحقيقة يغطون في نوم عميق.. ولعلكم تذكرون جيدا وحينما كانت الحمم الجهنمية تشوي أهل العراق رجالا ونساء، شيوخا وأطفالاً، تذكرون كيف كان أولئك الكهان يتفرجون، ولا يكتبون حرف تنديد، بل لقد كان من المخجل والمخزي أن بعضهم يرى أن ذلك الإحراق وتلك الإبادة هي إحدى ركائز ومقومات، الحق والعدل، الإنساني لأنها سوف تجلب الديمقراطية والخير، والنماء هكذا..!! أما عندما يأتي الحديث عن إسرائيل، وأنها محتلة مغتصبة للأرض قاهرة للإنسان بكل الأعراف البشرية والمعايير الإنسانية وذلك بما تمارسه من جرائم قتل، وطرد وتهجير.. فسوف تجدهم يلتزمون الصمت، بل يرون أن جرائم إسرائيل كلها عدل ورحمة بل قد تراهم يشمئزون حينما يسمعون نقداً لإسرائيل، ويرون ذلك سماجة وتطرفاً، وغير لائق، بهذا الكيان المبجل من قبل الدول الغربية المتحضرة..! *** اليوم تشنق الإنسانية، ويذبح الشرف الإنساني، في سورية بشكل تعجز الكلمات عن وصفه، ويعجز العقل عن استيعابه، ويعجز القلب عن تحمله.. في سورية تتكالب الأمم ليس على ذبح الشعب السوري بكل الطرق الإجرامية المرعبة التي تصور منتهى الانحطاط، وبشاعة وقذارة السلوك السياسي الأممي نحو الحق الإنساني، فما يحدث في سورية وما يواكب ذلك من تآمر، ورياء ونفاق سياسي هو شاهد على ما آلت إليه الإنسانية من هبوط وانحطاط في هذه المرحلة من التاريخ البشري.. وإذا كان ذلك التواطؤ هو تواطؤ سياسي.. فما بال المثقف ...؟ أين هو ؟ أين الذين يبكون ويتباكون على حقوق الإنسان، بل ويسجلون أسماءهم كأعضاء في هذه المؤسسات الحقوقية الإنسانية؟ لماذا لا يبرّئون ضمائرهم، وأقلامهم، لماذا لا يحتفظون بماء وجوههم ولو كذباً، ولو رياءً لكي يحافظوا على مصداقية ما يزعمونه من إنسانية وتقدير وتعظيم، لحقوق الإنسان؟! فأولئك بصمتهم إنما يكشفون عن عوارهم، وأنّ علاقتهم بالإنسان وبالحق الإنساني هي علاقة بهلوانية هازلة، وأنهم يمارسون التطفيف، والتخريف، والهراء .. بل إنهم يمارسون أقبح وأشنع من ذلك فإلى جانب الموقف السياسي التآمري، على ذبح الشعب السوري الذي يحتاج إلى فضح وتفنيد فإنا نراهم بدلًا من التنديد به وإنكاره يقومون باستفزاز الناس بأمور تحاول صرف الأنظار عن تلك المجازر، والمذابح المفزعة التي أغرقت الأرض دماً، وملأت السماء أنيناً .. نراهم يثيرون قضايا ويفتعلون أحداثاً مشاغبة ويبثون أقاويل وعبارات تلفت الأنظار إليهم، وتبعثر التركيز على المأساة الإنسانية فيشغلون الرأي العام، ويمزقون وحدته بهذه الممارسات التي تفتعل وتصطنع الطروحات المهيجة والمضللة، في وقت يفترض فيه أن يعملوا على تسليط الضوء وتوحيد المشاعر والأحاسيس لما تتعرض له الحالة الإنسانية من تدمير وتشويه بل وإبادة.. أيها السادة.. إذا كان الشعب السوري تجتاحه هذه الموجة العارمة المحموقة والصادمة، وتحل به هذه النوازل والكوارث من القتل البشع واحتقار وتوسيخ دمه الإنساني، بصمت أممي ،.. وبمؤازرة بعض الدول التي تفتح خزائن السلاح بكل أنواعه الجهنمية المحرقة بما في ذلك الغاز السام.. حتى ليخيل إليك أن ما يحدث هو جنون متفق عليه، فإنني أتساءل وأقول مرة أخرى : أين دور المثقف، أين موقعه، وموقفه مما يحدث ؟!! أين كثير من المثقفين العرب الذين مزقوا أسماعنا بالتباكي، والنياحة، على الإنسانية، وعلى الثقافة الإنسانية، حينما أطلقت بعض القذائف على صنم.. لماذا يتحولون أمام اغتيال الشعب السوري إلى أصنام بكماء صماء خرساء تفوح رائحة الدم الإنساني المسفوك والمسفوح من حولها.. لماذا نراهم يلتزمون الصمت أو الدوران كما كان يفعل الجاهليون حينما يدورون حول أصنامهم في رهبانية وخشوع..؟!