عندما تسافر بالسيارة وحيدا ترد الخواطر، وتتذكر القديم والجديد وعيناك مسمرتين على الطريق، تراقب القادم والمتجاوز، ومن نعم الله علينا ان جعلنا مسلمين نؤمن بالقضاء والقدر، ونسير ونحن في طمأنينة برغم الأخطار والمفاجآت الكثيرة. توقفت بعد رحلة اشبه بسباق السيارات الذي يقام في المهرجانات، ولكن الفرق بينهما ان سباق اليوم مفتوح، لكل السيارات، لكل الأعمار، لكل الجنسيات، وكل شيء مفتوح. ودخلت الاستراحة انشد الراحة واروي عطشي بشربة ماء بارد، جلست في مكان مناسب ليس بعيداً من مكيف الهواء، وطلبت من النادل قنينة ماء بارد فهز رأسه وقال بجفاء: (وَيش ثاني؟) قلت له سلامتك. اتكأت وشعرت بالاسترخاء رغم الضجيج في المكان الذي يشتمل على جميع الخدمات، مطعم، مقهى، وصالة العاب بسيطة، ومنتزه للسكان القريبين (يتبردون فيه). انتظرت حتى شعرت بالملل قلت في نفسي: (ما حك جلدي مثل ظفري) اتجهت للبرادة وانتزعت قنينة ماء من بين الأيدي، وشعرت بالزهو لهذا النصر العظيم ولكن افسد الفرحة صوت اجش يقول: (الحساب هاناك) دفعت الحساب وعدت الى مكاني فوجدت المكان قد شُغل. بحثت عن مكان آخر فوجدت مكانا مقبولا شربت جرعة ماء، وتوفقت وأنا استعيد تعليمات الشرب التي كانوا يملونها علينا ونحن أطفال، ووقع نظري على مجموعة يجلسون حول مائدة، متهندمين وكل واحد منهم مشغول بنفسه، وكأن المائدة هي التي جمعتهم، قال فيهم الرومان: (خير لك ان تكون اعرج من ان تلتزم الجلوس). عدت وشربت الجرعة الثانية ووقع نظري على مجموعة يجلسون جلسة عربية متربعين، يتحثون ويستمع بعضهم لبعض وكأنهم فريق واحد، ولهم هدف واحد، قال فيهم المثل الأسكتلندي: (الوجه النظيف لا يحتاج الى ماء). شربت الجرعة الثالثة ونظرت فرأيت مجموعة في الزاوية البعيدة استسلموا للنوم في وسط الضوضاء ونحن في حاجة ليقظتهم، يقول المثل الألماني: (النوم أعظم لص.. لأنه يسرق الحياة) وقفت اريد الخروج وإذا في الجوار مجموعة لهم عالمهم الخاص (في آذانهم وقرًا) وضعوا سماعاتهم في آذانهم، وكل واحد منهم يصلح قيافة صاحبه يصور بعضهم بعضاً، انهم اصحاب احتفالات وبهرجة (أي يلمعون انفسهم) في المواقع الإعلامية وبين المجموعات المنافسة، يقول المثل الإنجليزي: (لا أحد أشد صمماً من أولئك الذين لا يريدون ان يسمعوا)، هل وصلت الرسالة.