سألني أحد الأصدقاء عن سر تميزنا نحن السعوديين بلبس الثوب والغترة والبشت؟ فسألته: وماذا ستفعل أنت حين تعيش في الصحراء فتلفحك حرارة الشمس وتلسعك عواصف الرمال؟ قال مستغربا: وماذا سأفعل برأيك؟.. قلت: ستغطي رأسك بأقرب قطعة قماش، ثم تحاول تثبيتها بعصابة تلفها حول رأسك كي لا تسقطها الرياح (وهذا أصل الغترة والعقال).. ولأنك تعيش في جو حار ستكتشف بالتدريج أن اللون الأبيض والملابس الواسعة هي الأبرد والأكثر راحة (وهذا سر الثوب) في حين ستحتاج إلى البشت للاحتماء تحته حين يكون الجو حارا أو عاصفا أو باردا.. وهذا كله يثبت أن العامل الأهم في تشكيل ملابس الانسان هو المناخ السائد في منطقته!! وكنت شخصيا قد لاحظت منذ طفولتي - ومن خلال وفود الحجيج القادمين للمدينة المنورة - ان لباس الحاج يتناسب مع مناخ وظروف المكان القادم منه. فاللباس الخارجي للحاج الموريتاني او الليبي مثلا عبارة عن قطعة قماش كبيرة يلف بها ملابسه الداخلية اتقاءً للعواصف الرملية التي تميز بلاده. اما الحاج اليمني فيتميز ب"الفوطة" القصيرة تسهيلا لصعوده للمساكن الجبلية هناك.. وهو مايذكرنا بتنورة الاسكتلنديين الجبلية.. أما الحجاج الروس والقوقاز فكنا نعرفهم بقبعات الفرو السميكة والمعاطف الثقيلة التي تناسب الأجواء الباردة في بلادهم. اما الحجاج الأفارقة والقادمون من البلدان الاستوائية في شرق آسيا فيعرفون بملابسهم الخفيفة ذات الألوان الزاهية!! ولكن.. رغم الدور الأساسي للمناخ وتضاريس المكان؛ هناك عوامل إضافية تساهم في رسم ملامح اللباس في كل بلد على حدة؛ فهناك مثلا الأعراف والتقاليد والتعاليم الدينية والتفرقة الجنسية التي قد تفرض لباسا محددا، أو على الأقل تعديلات على ما تتطلبه طبيعة المناخ.. وفي رأيي الخاص يشير لباس الرجل الى طبيعة المناخ أكثر من لباس المرأة التي تخضع لاشتراطات إضافية في معظم المجتمعات.. فالمرأة مثلا لا تمانع في لبس الغترة مجاراة لظروف المنطقة (كما يفعل بدو الأردن والعراق) لكنها ترفض رفع ثيابها للركبة في المناطق الجبلية (كما يفعل شقيقها في اليمن).. وفي السعودية تلبس المرأة عباءة ذات لون أسود (وهو لون لا يناسب المناطق الحارة) ولكنها تفعل ذلك لخصوصية الثقافة والتمايز عن ثياب الرجال البيضاء!! - السؤال الذي يهمنا هذه الأيام: هل سيستمر ارتباط اللباس بظروف المناخ، أو يظل انعكاسا لخصوصية المجتمعات وتمايز الثقافات؟ ما أراه ان هذه العلاقة تتضائل شيئا فشيئا بسبب تقنيات التكييف والاحتكاك الواسع بين شعوب الأرض.. فاليوم لا يحتاج شبابنا للبس البشت لمواجهة حرارة الشمس أو عواصف الرمال.. وبسبب العولمة وانفتاح العالم أصبح القميص والبنطلون هنداما شائعا ومعتادا في جميع الدول!! ومن الطرائف التي أشاهدها يوميا على نشرات الأخبار زعماء أفارقة (تصل درجة الحرارة في أوطانهم الى 50 مئوية) ومع هذا يلبسون جاكيتا من الصوف ويخنقون رقابهم بكرافيتة استعملها الأوروبي أساسا لضم ياقة قميصه وحماية رقبته من البرد! .. وقبل أن أنسى؛ صديقنا (أعلاه) طرح سؤالا ثانيا أريدك التفكير في إجابته: - لماذا نحن المجتمع الوحيد الذي يلبس الثياب في المناسبات الرسمية في حين يقوم بخدمتنا من يلبسون الكرافيتة والجاكيت.. وليس العكس.. كما في مصر مثلا!؟