تحولت شاحنات «النقل الثقيل» إلى مشكلة مرورية تؤثر على سلامة السائقين، وأخرى فنية على صيانة الطرق، إلى جانب ضعف الأنظمة والعقوبات المطبقة بحق المخالفين، وهو ما أدى إلى استغلال ذلك، من خلال ارتكاب المخالفة بمبلغ زهيد مقابل عدم تأخير العمل، والارتباط مع العملاء. وأكّد مختصون على أنّ سائقي الشاحنات يعملون بنظام التستر، حيث يؤجر المالك الشاحنة على العامل بالنظام الشهري مقابل مبلغ معين؛ مما يجعله «يحرث الأرض» بأي طريقة كانت لتوفير قيمة الإيجار وتحقيق الكسب أيضاً، مطالبين بإعادة تنظيم قطاع النقل عموماً وأنظمته بما يكفل سلامة المواطنين. ويعاني السوق المحلي من سوء استقدام العمالة غير المدربة والمؤهلة التي ليس لديها خلفية على الأنظمة والعقوبات، ويأتي ذلك سبباً في تدني مخرجات جميع القطاعات ومنها «النقل»، وتتجرد بعض العمالة السائقة للشاحنات من الأنظمة وتخالفها بشكل صريح، من حيث وزن الحمولة، والتفريغ، حيث كشفت حادثة انفجار صهريج الغاز بالرياض وصهريج الديزل في «الشرقية» خفايا قد تجهلها الجهات المختصة؛ مما يوجب إعادة النظر في تنظيم القطاع وتأهيله بما يتناسب مع حجم ومكانة اقتصاد المملكة. وساهمت بعض الشاحنات في تشويه طرقات المملكة والشوارع الداخلية للمدن؛ بسبب عدم تطبيق أنظمة الوزن ودخول المدن في أوقات غير مسموح بها، وتمثّل التشويه في عدم وجود هوية ثابتة للشاحنات بشكل كامل كما نشاهده في بعض دول العالم، بينما تجد لدينا في السوق السعودي وبسبب سرعة التنمية والطلب على المواد سوق نقل عشوائيا! تعمد المخالفة وكشف «محمد مصطفى» -سائق شاحنة- أنّ هناك اختراقات متعمدة من بعض سائقي الشاحنات للاشتراطات التي وضعتها إدارة المرور بالنسبة للشاحنات في الأوزان الزائدة أو مخالفات أخرى، مضيفاً: «الكثير من الاختراقات متعمدة من شركات النقل، التي ترى أنّ الغرامة المالية في حدها الأعلى، ليست عائقاً لها أمام إنجاز المزيد من أعمال نقل البضائع والسلع، الذي يضمن لها تحقيق أرباح أعلى تفوق معدل الغرامات المالية»، مشيراً إلى أنّ مؤسسات النقل خصصت في نظامها المحاسبي بنداً في المصروفات، تحت مسمى المخالفات المالية التي تتحملها الشركة، نظير أوامر مباشرة للسائقين بعدم الالتزام باشتراطات المرور أو وزارة النقل واشتراطات التحميل والتفريغ، والأوزان وكذلك مواعيد الدخول إلى المدن، بهدف إنجاز الأعمال التي تدر أرباحاً وفيرة. محمد: لدينا أوامر بالمخالفة على الطرق ولا نتأخر على العميل..! معاقبة السائقين وذكر «بلال محمود» -سائق شاحنة- أنّ المخالفات المرورية قصمت ظهره، مبيّناً أنّه حرص على أن لا يرتكب أي مخالفات مرورية، خاصة أنّ الشركة التي يعمل بها تحمله هذه الغرامات، وفي الوقت نفسه تطالبه بانجاز الأعمال الموكلة له في وقتها، متجاهلة اشتراطات المرور في أوقات دخول المدن، واشتراطات التحميل والتفريغ، مشيراً إلى أنّ المشكلة الكبرى التي يصطدم بها وغيره من سائقي الشاحنات تكمن في عدم وجود مواقف واستراحات آمنة في أطرف المدن، بحيث تكون مخصصة لإيقاف الشاحنات خلال فترة حظر دخولها إلى المدن، الأمر الذي يجعلهم يعانون في حماية الشاحنات من السرقة، وأجبرهم على أن يمضوا ليالي دون راحة جسدية، أو استحمام، خوفاً على ما بحوزتهم من سلع؛ مما يتسبب في إرهاق السائق كما حدث في الشاحنة المحملة ب(30.000) لتر من الديزل على طريق (الدمام-الجبيل) والتي اصدمت بها أخرى وهي واقفت على قارعة الطريق، والسائق في نوم عميق، موضحاً أنّ الارهاق الجسدي والنفسي يجعلهم يعملون أي شي من أجل الوصول بالحمولة وتسليمها. مخالفات صريحة وأوضح «يوسف خليل» -سائق شاحنة- أنّ حركة النقل في المملكة من حيث البنية التحتية للطرقات وحجم الاقتصاد استثمار يحتاج إلى تنظيم، مبيّناً أنّه لاحظ عند دخول السعودية فرصا استثمارية هائلة ومنها النقل، وبسبب عدم القدرة على شراء ناقلة استأجرها بمبلغ (6.000) ريال شهرياً، وكانت حالتها متوسطة، وخاض بها غمار العمل على الطرق، مشيراً إلى أنّ الدخل الشهري لها يفوق (20.000) ريال أحياناً، مضيفاً أنّّ الدخول إلى المدن خصوصاً «الرياض»و»الدمام»و»جدة» يتطلب دائماً تسليم الشاحنة لأحد السائقين في مدخل المدينة ممن يملكون القدرة النظامية، حيث يفك «القاطرة» للشاحنة وتسليمها لشخص آخر ليدخل بها المدينة، ويسلمها إلى مالكها. صيانة الطرق وقال «م. ممدوح هلال» -متخصص في هندسة الطرق-: «مشكلة سوء حالة الطرق لدينا تكمن في شركات النقل التي تحمل السيارات أو البضائع أو المقطورات بضعف الحمولة المطلوبة، ضاربين عرض الحائط بالغرامات التي تفرضها الموازين الموجودة على طول الطريق السريع، حيث أنّهم يحصلون تلك الغرامات من العميل وهي لا تمثّل شيئاً بالنسبة لقيمة الحمولة، وهذا ما يدمر القوى الإنشائية للطرق، ويتسبب في عيوب عديدة ظاهرة للعين مثل تحت مسار العجلات من تموجات للطبقة السطحية، ودمج زائد للطبقات السفلية للطرق؛ مما يسبب الحوادث وإهدار المال العام، ولذلك يجب تغيير نظام الغرامات بأن يتم تفريغ الحمولة الزائدة مع رفع قيمة الغرامة لمبالغ كبيرة، وإذا تكررت المخالفة للشركة نفسها صاحبة المقطورة يتم إيقافها عن العمل لفترة مع توجيه إنذار لها بسحب الرخصة منها نهائياً، بالإضافة إلى إلزامها بسداد الغرامة كما هو متبع الآن مع رفع قيمتها». محطات أطراف المدن وأضاف «سالم آل سرور» -مستثمر في قطاع النقل-: «المخالفات تُرتكب لعدم وجود أنظمة دقيقة ومتابعة صارمة تراعي مصالح المستثمرين في هذا القطاع، بالقدر الذي تراعى فيه المصالح العامة»، مشيراً إلى أن المملكة تتمتع بشبكة طرق كبيرة وحديثة، ومع ذلك لا نجد نحن المستثمرين في قطاع النقل الاهتمام الكافي بما سبق أن طالبنا به فيما يخص -على سبيل المثال- إيجاد استراحات ومواقف للشاحنات في أطراف المدن، بحيث تبقى فيها الشاحنات أثناء فترات منع دخولها إلى المدن، وقد ناقشنا هذه الإشكالية مع لجان النقل في الغرف التجارية على مستوى المملكة، ولكن للأسف لم نجد التجاوب الفعلي لإنشاء مواقف شاحنات على أطراف المدن، خاصةً إذا عرفنا أنّ السائقين يمكثون أياماً طويلة مع شاحناتهم، ويأملون في الحصول على قسط من الراحة في أماكن يأمنون فيها على شاحناتهم»، مؤكّداً أنّ الأوزان المخالفة لها تأثير سيىء جداً على الطرق السريعة، حيث أنّ الطرق مصممة على استيعاب حمولات محددة، وزيادة الحمولة لها تأثير سلبي على الطريق يؤدي إلى وقوع العديد من الحوادث المروعة التي أصبحت تتكرر الآن يومياً بصورة مفزعة. إرباك حركة المرور وأشار «عبدالرحمن العطيشان» -عضو لجنة النقل البري بغرفة الشرقية- إلى أنّ الغرامات التي تفرضها إدارة المرور على الشاحنات المخالفة للأنظمة والتعليمات الخاصة غير مؤثرة في بعض المستثمرين، فهي تتراوح بين (1500) و(5000) ريال، فالمستثمر لا يمانع في دفعها نظير أن ينتهي من التزاماته العملية في أوقاتها المحددة، لافتاً إلى أنّ هناك سائقين يتعمدون تحميل شاحناتهم بحمولات تفوق الوزن المسموح به، وآخرين يخالفون في الأنظمة والاشتراطات الخاصة بتحميل وتفريغ الحمولات، إذ يتجاهل بعضهم العقوبات المفروضة، وبالفعل قد ينجو البعض منها، وقد يقع البعض الآخر تحت طائلة الأنظمة والتشريعات، مؤكداً أنّ الحل الوحيد للقضاء على هذه المخالفات يكمن في تهيئة المناخ العام لقطاع النقل، وتوفير احتياجاته ومطالب مستثمريه، ومناقشتهم في الأنظمة والتشريعات الخاصة بقطاعهم قبل سنها وتطبيقها، ومن ثم فرض غرامات وعقوبات أشد مما هي عليه الآن، لضمان عدم ارتكاب أي مخالفات من أي نوع، محذراً من إرباك المخالفات لحركة المرور، وتسببها في خسائر أموال الدولة التي أنفقتها على شبكة الطرق المعرضة للتلف بسبب الحمولات الزائدة من سائقي الشاحنات. انهيار طبقة اسفلت لم تتحمل حمولة شاحنة شاحنة تفقد توازنها وتغلق الطريق دخول الشاحنات للمدن في أوقات غير مناسبة سبب في الاختناقات المرورية عبدالرحمن العطيشان سالم