أجمع عدد من الأكاديميين على أنَّ نظام التعليم الجامعي الموازي بحاجة إلى إعادة نظر في خططه وبرامجه، إضافةً إلى وضع معايير دقيقة وضوابط لازمة للقبول، مع التشديد على أهمية اتقان الطلبة للمنهجية العملية للبحوث والدراسات، ومعايير الجودة والاعتماد الأكاديمي، وذلك لضمان جودة المخرجات. وأشار الأكاديميون إلى أنَّه مع الوضع الحالي لن يتم إضافة أي جديد فيما يتعلق بتحسين التعليم الموازي وجودته، وهو ما أثّر سلباً على مستوى الجامعات، حيث دفعت هي والمجتمع ثمناً كبيراً؛ بسبب السياسات المُتّبعة في توسيع التعليم الجامعي دون تخطيط مسبق وسليم، ودون توفير الاحتياجات الضرورية من الإمكانات المادية والبشرية، كما أنَّ النمو الكمِّي الكبير في عدد الجامعات لم يُواكبه تطوير نوعي، حيث أنَّ المُخرجات لم تمثل إضافةً نوعيةً لسوق العمل وفي التخصصات التي يحتاج إليها، بل إنَّها أضافت بطالةً إلى بطالة قائمة، مما يعني وجود خلل جوهري بين احتياجات سوق العمل وبين مُخرجات التعليم. ويعتمد "التعليم الموازي" على تهيئة البيئة المناسبة للطلاب للالتحاق بالبرنامج في الفترات المسائية، بحيث لا يتعارض مع أعمال الطلاب الوظيفية، وكذلك الإفادة من إمكانات الجامعات المختلفة المادية أو البشرية، إلاّ أنه لم يخل من بعض السلبيات، التي أثرت بالتالي على جودة المخرجات، وكذلك على عطاء أعضاء هيئة التدريس المرتبطين بالتدريس في الجامعة في الأوقات الصباحية، كما أن هذا النوع من التعليم لا يركز على الجوانب البحثية بصورة دقيقة، إلى جانب أنه من المفترض أن يكون هذا النمط مساوياً من حيث الايجابيات للنمط الصباحي، إلاّ أن الحاصل هو العكس؛ نتيجة التوسع في قبول جميع من يتقدم، على الرُغم من أن بعضهم لم يحقق متطلبات القبول، وهو ما يُحتم ضبط عملية إجازة البرامج وحفظ حقوق الدارسين، مع عدم فتح الباب لجميع البرامج، خاصةً تلك التي ليس لها مستقبل في سوق العمل. دفع التنمية وقال "د. مبارك حمدان" -وكيل كلية الأمير سلطان للسياحة والإدارة بأبها-: إن مرحلة التعليم العالي تُعدُّ مرحلةً مهمةً في مسيرة الطلاب والطالبات، وإعدادهم ليكونوا مؤهلين بصورةٍ جيدة للدخول إلى سوق العمل، والمساهمة في دفع عجلة التنمية في بلادنا الغالية، مُضيفاً أن قرارات الدولة -وفقها الله- في إنشاء العديد من الجامعات في مناطق متعددة من الوطن يصبُّ في مصلحة التعليم العالي، وتوفيره للطلاب أينما كانوا، وبصورة تمكنهم من مواصلة التعليم الجامعي، مُشيراً إلى أن وزارة التعليم العالي حرصت على فتح عدداً من القنوات لإتاحة الفرصة للدارسين، للحصول على شهادات "الماجستير" و"الدكتوراه"، ذاكراً أنَّه ولكثرة أفراد المجتمع من الباحثين عن فرص الحصول على شهادات عليا في مجال تخصصاتهم، فقد رأت الوزارة إيجاد نوع من التعليم يُعرف بالتعليم الموازي، الذي يعتمد على تهيئة البيئة التعليمية المناسبة للطلاب للالتحاق بالبرنامج في الفترات المسائية، بحيث لا يتعارض مع أعمالهم الوظيفية، وكذلك الإفادة من إمكانات الجامعات المختلفة المادية أو البشرية. وأضاف أن الطرق التدريسية في مثل هذا النوع من التعليم تعتمد على جانب المحاضرات التقليدية بوجود الأستاذ مع الطالب، وأحياناً عن طريق التعلم الإلكتروني أو التعلم عن بعد. جوانب بحثية وأوضح "د. حمدان" أن من إيجابيات التعليم الموازي اعتماده على إتاحة الفرصة لبعض الطلاب والموظفين المتعطشين لمواصلة دراساتهم العليا، خاصةً ممن لم تتح لهم الفرص في التعليم العالي التقليدي، إضافةً إلى أنَّه يُتيح الفرصة للمرتبطين بوظائف رسمية للالتحاق بالبرنامج لتقديمه في الفترات المسائية، مُشيراً إلى أن هذا النوع من التعليم قد تأثر ببعض السلبيات التي أثرت بالتالي على جودة المخرجات، ومنها أنه أثَّر على عطاء أعضاء هيئة التدريس المرتبطين بالتدريس في الجامعة في الأوقات الصباحية ممن أقبلوا على التعليم الموازي لمردوده المادي لهم، مُبيناً أن التدريس في التعليم الموازي يعتمد على برنامج المقررات التي يجتازها الطالب، ولا يركز على الجوانب البحثية بصورة دقيقة، إضافةً إلى أنَّه قد لا يتم التركيز على إعداد الأفراد ليكونوا ضمن أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، وهو ما قد يكون سبباً في أنَّ بعض الجامعات لا تقبل الحاصلين على درجاتهم العلمية وفق برنامج التعليم الموازي. وشدّد على ضرورة تظافر جهود كل من وزارة التعليم العالي ووزارة التخطيط ووزارة التربية والتعليم، وكذلك وزارة الخدمة المدنية، من أجل دراسة متطلبات سوق العمل والمؤهلات المطلوبة للملتحقين بالدراسة الجامعية والدراسات العليا؛ للحد من البطالة، والنهوض بمستوى هذا النوع من التعليم. إيجاد بدائل وذكر "د. سعد الزهراني" -الأمين العام المساعد لضمان الجودة والاعتماد بالهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي- أن الحاجة لهذا البرنامج جاءت نتيجة رغبة كثير من الطلبة للدراسة على حسابهم الخاص بعدد من الجامعات في عدد من الدول المجاورة، وذلك نتيجة عدم حصولهم على القبول في جامعات المملكة، مُضيفاً أن ذلك كان مثيراً للتساؤلات والاعتراضات من جهات كثيرة؛ بحجة أنَّ بعضاً من جامعاتنا لم تنجح في تقديم القدر الكافي من التعليم الجيد، إضافةً إلى معاناة أولئك الطلبة من كثير من المشكلات الاجتماعية والمالية والسلوكية، مُشيراً إلى أن ذلك أدَّى إلى عمل عدد من الجهات المعنية -وعلى رأسها مجلس التعليم العالي- على إيجاد البدائل المناسبة داخل الوطن، حيث توجت تلك الجهود بصدور الموافقة السامية على القواعد التنظيمية لبرنامج التعليم الموازي بنفس مواصفات البرامج الصباحية، على أن يدفع الطلبة الرسوم لهذا النمط من التعليم، ثُمَّ صدرت الموافقة السامية على أن تتولى الدولة دفع رسوم الطلبة في هذا البرنامج. وأضاف أن قرار الموافقة على الاستمرار فيه رُبِطَ بتقويم تجربة التعليم الموازي من قبل المجلس بعد مرور ثلاث سنوات على تطبيقه، مُبيناً أنَّ تقويم هذه التجربة بصورة موضوعية ومحايدة لم تتم حتى الآن من قبل المجلس. نسخة مُكررة وأكد "د. الزهراني" أنه من المفترض أن يكون هذا النمط من التعليم مساوياً من حيث الايجابيات للنمط الصباحي، بل إنَّه كان من المتوقع أن تؤدي الجامعات -وهي تأخذ مقابلاً مادياً على هذا النمط من التعليم- جهوداً كبيرة لجعله نمطاً متميزاً، بحيث يساوي في الجودة النمط الصباحي، وذلك من خلال البرامج الإثرائية التي تستحدثها للتعامل مع هذا النمط، مع إمكانية ضبط الممارسات فيه، بحيث لا تتكرر عمليات الهدر التي تحدث في البرامج الصباحية، التي تقبل مئات الطلبة في تخصصات تعلم الجامعات يقيناً أن خريجيها لن يجدوا فرص العمل اللازمة داخل مؤسسات المجتمع، مُشيراً إلى أنَّ ما حدث هو أنَّ الكثير من برامج التعليم الموازي جاءت كنسخة مكررة للبرامج الصباحية وبجودة أقل، وذلك نتيجة التوسع في قبول جميع من يتقدم، على الرُغم من أن كون بعضهم لم يحقق متطلبات القبول. وأضاف أن الجامعات لم تستفد من هذه البرامج برفع أعداد أعضاء هيئة التدريس لديها بقدر يوازي الزيادة في عدد الطلبة، بل عمدت الكثير منها إلى الاعتماد على نفس طاقم أعضاء هيئة التدريس الذين يعانون من أعبائهم في تدريس البرامج الصباحية، بشكل بات معه الكثير يؤدي أعباء إضافية تصل أحياناً إلى أكثر من (50%) من العبء الصباحي. تقنين القبول وأشار "د. الزهراني" إلى أنَّهم يلتزمون الصمت بسبب المكافآت التي يحصلون عليها مقابل التدريس في برامج التعليم الموازي، مضيفاً أنَّ جداول الأساتذة التدريسية أصبحت تُشكل عائقاً للتقدم في البحث العلمي، وفي خدمة المجتمع، وكذلك في الجانب الإبداعي في العمل التعليمي، مُبيناً أنَّه وبعبارة أخرى فقد أصبحت جودة التدريس وجودة تقويم أداء الطلبة أهم ضحايا الوضع القائم حالياً، وأنَّ كثيراً من أعضاء هيئة التدريس بدأوا يتندرون على الخلل القائم في تقويم الطلبة، خاصةً في مرحلة "الماجستير"، مؤكداً أنَّ الجامعات أصبحت تدرك أنَّ التمادي في هذه البرامج وخاصةً على مستوى الدراسات العليا سيؤدي إلى نتيجةٍ سلبيةٍ من الممكن أن تنعكس على الدراسات العليا في جامعات المملكة، مُنتقداً عدم تقنين القبول في برامج التعليم الموازي بعدد من الجامعات، حيث أنَّ عدد الطلبة في بعض برامج التعليم الموازي في مرحلة "الماجستير" أصبح بالمئات، بل ويفوق أحياناً أعداد طلبة "البكالوريوس" في نفس البرنامج أو برامج أخرى. وتساءل عن قدرة أي برنامج علمي مهما كانت موارده في إدارة برنامج للتعليم الموازي في مرحلة "الماجستير" يدرس فيه أكثر من (300) طالب وطالبة، إضافةً إلى أعباء طلبة "البكالوريوس". إجازة برامج وطالب "د. الزهراني" بضبط عملية إجازة البرامج وحفظ حقوق الدارسين وهيبة الجامعات، وبعدم فتح الباب لجميع البرامج لتقديم التعليم الموازي، خاصةً تلك البرامج التي يوجد بها تشبع في المملكة، إضافةً إلى عدم السماح بفتح برامج التعليم الموازي على مستوى الدراسات العليا إلاَّ للبرامج التي تحصل على الاعتماد في مرحلة "البكالوريوس"، ولديها الخبرة الكافية في تقديم برامج الماجستير العام، على أن تكون برامجه لديها في مرحلة التأهل للاعتماد، واصفاً معظم مؤسسات القطاع الخاص بالأنانية، مُشيراً إلى أنَّها تُغلّب المصلحة الخاصة على العامة، وأنَّها لا تهتم بتوظيف الشباب، ذاكراً أنَّه ما لم يتم إيجاد سياسة جادة للسعودة، فإنَّه لا يمكن أن نطمع في تفهُّم القطاع الخاص لمشكلة توظيف الشباب، سواءً أولئك الذين يتخرجون من الجامعات في الداخل أو الخارج، مؤكداً أنَّه ما لم يتم تدارك ضعف مخرجات برامج التعليم الموازي، فإنَّ ذلك سيمنح القطاع الخاص الفرصة لتبرير تقاعسه عن توظيف الشباب. وعي مجتمع وقال "د. خالد الدامغ" -المستشار بالإدارة العامة للتعاون الدولي بوزارة التعليم العالي-: إنَّ هناك قصوراً في نظرة بعض أفراد المجتمع نحو التعليم الجامعي بشكل عام، مُضيفاً أنَّ العديد من خريجي الثانوية العامة يديرون ظهورهم للتخصصات المهنية ويهرولون فور تخرجهم نحو الجامعات، مضيفاً أنَّ بعض أفراد المجتمع باتوا يبحثون عن "الوجاهة" من خلال الحصول على الشهادة الجامعية أيَّاً كان مصدرها، ودون تركيز على التخصص العلمي الذي يتناسب مع إمكانات الشخص وحاجة المجتمع إليه، لافتاً أنَّ المشكلة لا تكمن في التعليم الموازي بحد ذاته، بل في وعي أفراد المجتمع بضرورة أن تُمثِّل المُخرجات إضافةً نوعيةً لسوق العمل، مع تزويده باحتياجاته من القوى العاملة، وفي التخصصات التي يحتاج إليها المجتمع. د. مبارك حمدان د. سعد الزهراني د. خالد الدامغ