عندما ينتهي القارئ من قراءة رواية كالعمى للروائي البرتغالي الراحل جوزيه ساراماغو، يظل مأسوراً وسط عوالم تلك الرواية فتتداعى الأسئلة والاحتمالات حول ثيمة هذه الرواية المبتكرة وتتجلى لكل قارئ أفكاره التي يظن انها تحتمل تأويل «العمى» الذي قصده ساراماغو في روايته. من هنا منحت نفسي مساحة الجهر بأسئلتي عن تلك الرواية بحيث أجريت حواراً متخيلاً مع مؤلفها، الروائي جوزيه ساراماغو، الذي غادر عالمنا عام 2010 . * في روايتك «العمى» لم تحمل الشخصيات أسماء كما لم يتخذ مسرح الأحداث كمكان اسما محدداً. هل لتغييب أسماء شخوص ومكان الرواية ما يبرره؟ هل يمكن أن يكون، مثلاً، إشارة إلى تجريدها من حالة مرتهنة بمكان ما ونقلها إلى حالة كونية قد تحدث في أي مكان من العالم؟ * رغم فنتازية الفكرة إلا أن المعالجة نزعت إلى الحالة الواقعية. هذه المواءمة بين ماهو فنتازي وما هو واقعي في الرواية، كيف تمّ التعبير عنه بهذه الصورة؟ * اتحد السفاحون العميان ليؤسسوا محور الشر وكانت نهايتهم الاحتراق، بينما اتحد، في المقابل، الطبيب وزوجته والمجموعة الصغيرة في محور هو أشبه بمحور الخير من خلال محاولاتهم في تنظيم أنفسهم والتعاطي مع واقعهم الجديد، والمجموعة الأخيرة هذه هي من استردت بصرها في نهاية الرواية. بمثل هذا التصور هل تكون قد قدمت المكافأة الكلاسيكية لكلا الحزبين، الخيّر والشرير؟ * كان الطعام هو الباعث على الفرقة والاقتتال والشر بين شخصيات الرواية.. كان مقدماً حتى على الماء ومن خلال هذا الاقتتال تفرعت أسباب أخرى للشر بين شخصيات الرواية . هل جاء التركيز على قضية الطعام رغبة منك في عدم التشتت في مشاكل الحياة الجديدة المتعددة؟ * عندما هيمن العمى على الجميع، كانت نساء الرواية أكثر تهذيباً وأكثر إحساسا بالحالة الإنسانية، حتى من قتلت فهي قتلت للدفاع عن النفس، أما الرجال فكان أكثرهم في حالة من الحقارة والأنانية والاستبداد. هذا التفاوت بين نساء ورجال الرواية ماذا يمكن أن يعني؟ * في الحجر الصحي كان هناك اقتتال وتنافس على التشبث بالحياة، لكن لضيق المكان ووجود الجنود، الذين كانوا يطلقون النار على من يتجاوز الحد المسموح له، كانت الحرب أكثر شراسة، بينما عندما خرج العميان من الحجر وكانت المدينة كلها تسبح في العمى الأبيض بدت المعركة أقل شراسة، هل تريد أن تقول لنا إن السلطة وضيق المكان مسبب لشراسة الحياة ؟ * زوجة الطبيب هي التي عاشت حالة العمى رغم إبصارها فكان هذا الدور مرهقاً لها. هل تعني أن على الإنسان ألاّ يتقدم على ماهو موجود في الحياة كي لا يعيش تعباً وتبايناً في المواقف يشبه ذلك الذي عايشته زوجة الطبيب؟ * حافظ الطبيب على روحه الصافية تجاه الآخرين وتجاه الحياة، وكذلك زوجته بينما كان الأعمى الأول مرتابا وأنانيا ومتشككا مثلما هو قبل أصابته بالعمى، وكان السارق هو أول من انتهك صفو العميان بعد تحرشه بالفتاة ذات الفستان الأسود. هذا يعني أن قيم شخصيات الرواية لم تتغير بعد العمى عمّا كانت عليه قبله، بخيرها وشرها.. كيف ترى هذه المسألة ؟ * «أرسلوا لنا النساء»، كانت هذه رسالة العميان السفاحين.. الرغبة للجنس جاءت لدى العميان متأخرة. أيضا لم تكن رغبة خالصة بقدر ماهي إذلال وإهانة للطرف الآخر ومساومة تقلل من فرص نيل الطعام . لكن هذه الرسالة كشفت أيضا أن قيم الشرف والكرامة قد يتم أزاحتها إذا ما سمى الإنسان الأشياء بالأسماء المجردة وهذا ما رأته زوجة الرجل الأعمى الأول. هل هذا ما أردت الوصول إليه؟ * رغم حالة الشخصيات المأساوية وما عانته من فقد بصرها إلا أننا نلمس حالة من الطرافة والفكاهة في بعض المشاهد وكأنك تقول أن الحياة تصنع مفارقاتها الطريفة وهي في غمرة مأساويتها، أو كأنك تريد أن تبرز لنا أن الحياة السيئة لها أيضاً فكاهتها؟ أم أن الأمر يتلخص في رغبتك في تلطيف النص ببعض تلك المواقف؟ أيها أقرب إلى استنتاج الحس الفكاهي المرهف في النص؟ * تبدو العلاقة بين الطبيب وزوجته هي العلاقة الثنائية الوحيدة في الرواية، ورغم ذلك فثمة التباس في هذه العلاقة من جهة المشاعر. كما أن كل شخصيات الرواية هي حالات فردية عدا تلك الناشئة مع تداعيات النص..هل جاء تفرّد ثنائية الطبيب وزوجته كي يتم ضبط الحكاية بحيث يلعبان دوري القائدين في النص؟