يصادف اليوم عيد الكريسمس لدى معظم الشعوب المسيحية في العالم.. وقبل أن أشرح مغالطة التوقيت أشير الى أنني سبق وكتبت مقالا بعنوان (كريسمس وسنة ميلادية وتأريخ هجري) بينت فيه الفرق بين رأس السنة الشمسية - التي ستحل بعد أيام - والاحتفال بعيد الكريسمس الذي يوافق اليوم الخامس والعشرين من شهر ديسمبر. وشرحت حينها الأصل الوثني لعيد الكريسمس وكيف أن حضارات أكثر قدما من المسيحية كانت تحتفل به بسبب موافقته موعد الانقلاب الشمسي السنوي.. أضف لهذا حقيقة أن الطوائف المسيحية لم تتفق أصلا على تاريخ ميلاد عيسى المسيح عليه السلام حتى يتم الاحتفال بمولده في تاريخ محدد. ولن أكرر اليوم الاستشهادات التي أوردتها في ذلك المقال كون المساحة بالكاد تكفي لإثبات أن الكريسمس (وبابا نويل) يفترض بهما القدوم في فصل الصيف وعز الحر، وليس فصل الشتاء وتساقط الثلوج. فمن المعلوم أن أعياد الكريسمس توافق فصل الشتاء وسقوط الثلوج بينما يقول الله سبحانه وتعالى لمريم أثناء مخاضها بعيسى (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) والرطب لا يخرج إلا في فصل الصيف!! وهذه الإشارة القرآنية تتسق مع ما جاء في إنجيل لوقا وما فهمه كثير من المؤرخين من قوله: (وظهر فى تلك التلال رعاة متبدين يحرسون في الليل قطعانهم). فماذا كان يفعل الرعاة ليلاً لو كانوا في أشهر الشتاء حيث انعدام الكلأ وبرودة الجو وتراكم الثلوج!؟ وبهذا الخصوص يقول الأسقف بارنز أحد أبرز مفسري الانجيل: "لا يوجد أساس لاتخاذ يوم 25 ديسمبر تاريخا لميلاد المسيح، وإذ تدبرنا قصة لوقا بخصوص ترقب الرعاة فى حقول بيت لحم، فإن ميلاد المسيح لم يكن ليحدث فى الشتاء حيث يتوقف نشاط الرعي في (فلسطين)".. أما الدكتور بيك فيستشهد (فى مناقشة القس جون ستيوارت) بمخطوطة صينية تتحدث عن وصول الإنجيل للصين مبكرا وتحديدها ميلاد المسيح فى عام 8 قبل الميلاد - وصلبه في سبتمبر 24 بعد الميلاد. أما المؤرخ الدكتور جون ريفنز فيقول: "إن إرشاد السيدة مريم العذراء إلى نبع لتشرب منه في القرآن الكريم يشير إلى أن ميلاد المسيح حدث في شهر أغسطس أو سبتمبر وليس في ديسمبر أو يناير حيث يكون الجو باردا ولا رُطَب فوق النخيل كي تهز جذع النخلة فيتساقط عليها رطبا جنيَّا"!! .. وفي حين نملك من التلميحات ما يشير الى ميلاد عيسى في فصل الصيف - أو الخريف على أبعد تقدير - تتعدد الخيارات بخصوص التاريخ والسنة التي ولد فيها.. ففي حين يعتقد البروتستانت والكاثوليك أنه ولد في السنة (الأولى) للميلاد، يعتقد الأرثوذكس أنه ولد قبل ذلك (في السنة الرابعة قبل الميلاد).. وفي حين يذكر إنجيل متّى أنه ولد أيام حكم الملك هيرودوس في الرابع قبل الميلاد، يذكر انجيل مرقص وقوعه في عام إحصاء الضرائب الروماني الموافق السادس بعد الميلاد.. في حين تقفز به مخطوطات الانجيل (التي اكتشفت في وادي قمران عام 1947) لأكثر من عشرين عاما من الميلاد. أما الحقيقة فهي أن عيد الكريسمس الحالي الموافق 25 ديسمبر لم يبدأ الاحتفال به (كتاريخ لميلاد المسيح) إلا في القرن الرابع الميلادي بعدما تحوّلت الدولة الرومانية للمسيحية على يد الامبراطور قسطنطين.. والمرجح اختيار هذا التاريخ بالذات لأن الرومان كانوا يحتفلون به كعيد لولادة آلة الشمس "إنفكتوس" ويوافق موعد الانقلاب الشمسي من كل عام (وراجع المقال السابق لمعرفة كيف كان تاريخ 25 ديسمبر مناسبة تحتفل بها الشعوب التي عبدت الشمس لكون النهار يزداد بعده طولا).. أما المسيحيون الأرثوذكس فيبدو أنهم فضلوا الاحتفال بالكريسمس أو عيد ميلاد المسيح يوم 6 يناير كونه اليوم الذي ولد فيه الإله "أيون" بالإسكندرية والإله "تموز" في بابل القديمة ويحظى باحترام عامة الناس!! .. المؤكد أن احتفالات الكريسمس تتعلق ببهجة الاحتفال وهدايا بابا نويل أكثر من ميلاد عيسى عليه السلام!!