بعد عدة أسابيع، أكمل عقداً كاملاً من مسيرتي المتواضعة في كتابة المقال الصحفي، والتي بدأت بمجرد رغبة يُحرضها الفضول، لخوض غمار تجربة جديدة، ولكنها سرعان ما أصبحت وظيفة احترافية، ومسؤولية اجتماعية، وقناعة وطنية، بل هاجساً اسبوعياً، متسلحاً بشيء من المعرفة والتجربة والجرأة والصدق والشفافية، ولكن قبل كل ذلك بحب حقيقي لهذا الوطن الرائع، وبقناعة تامة بأن مجتمعنا الوطني بكل تنوعه وشرائحه ومكوناته يستحق كل الحب والاعجاب والدعم. أحاول من خلال كل ذلك المخزون الهائل من فيض مشاعر الحب والفخر والانتماء لهذه الارض الطيبة - ما استطعت - إشاعة ثقافة إيجابية، أو تمرير رسالة وطنية، أو التركيز على ظاهرة أو سلوك أو فكر. أحاول، وكذلك غيري من الكتاب والمثقفين، أن أكتب عن الزاوية الأخرى من مشهدنا العام. تلك الزاوية المشرقة والجميلة والمدهشة التي تعرض لوحة رائعة من الابداعات والانجازات والتطورات التي يحظى بها هذا الوطن العزيز الذي يستحق أن نفخر به جميعاً. أخلص من هذه المقدمة البسيطة، للفكرة التي أود طرحها هنا، وهي الاهتمام بالجانب الآخر من الصورة، أو ما يُطلق عليه عادة ب "نصف الكوب الممتلئ". نعم، مجتمعنا يغص بالكثير من التحديات والمعوقات والمشكلات، تماماً كما هي حال كل المجتمعات الأخرى، القريبة والبعيدة، ولكن في المقابل، هناك الكثير من الجوانب المضيئة والتمظهرات المشرقة التي تستحق الإشادة والفخر والدعم. الكتابة المهنية والطرح الجاد والرؤية الثاقبة، هي من تصف الصورة بالكامل، بكل ايجابياتها وسلبياتها، لا أن تُركز على جانب وتهمل الآخر. بصراحة شديدة، نحن معشر الكتاب والمثقفين والنخب بحاجة ماسة لإشاعة ثقافات وسلوكيات الأمل والثقة والطموح والشفافية والطمأنينة في نفوس أفراد المجتمع، لاسيما شريحة الشباب التي تُمثل غالبية المجتمع السعودي. هؤلاء الشباب الواعد بحاجة ملحة إلي رؤية حقيقية وواقعية لوطنهم، بعيداً عن النظرة السوداوية والصورة القاتمة والكلمة المحبطة، والتي يُحاول البعض، بكل أسف، رسمها وتكريسها في فكر ومزاج ووجدان مجتمعنا. هناك الكثير من المبادرات والخطوات والإسهامات التي بدأت تُغربل وتُصحح وتُغير الكثير من الإشكالات والصعوبات التي يواجهها المجتمع السعودي. الخطوات التصحيحية والتطويرية كثيرة جداً، ولايُمكن حصرها في مساحة محدودة كهذه. فقط، سأذكر ثلاثاً منها. - التعليم، وهو الملف الشائك الذي يحمله كل افراد المجتمع. فقد شهد قطاع التعليم بمراحله المختلفة، الكثير من الغربلة الشديدة، والتي طالت الكثير من تفاصيله، كالمناهج والسياسات والأنظمة والأساليب. كما تشهد الجامعات السعودية نهضة كمية ونوعية جيدة، هذا إضافة إلى برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي الذي وصل عدد المستفيدين منه لأكثر من 140 الفا. نعم، هناك تحديات كبيرة، ولكن التصميم يسير باتجاه التطوير. - السياحة، هذا القطاع الحديث نسبياً، والذي يتعرض لتحديات لا حصر لها، حقق الكثير من الانجازات والتطورات، أهمها وضع إستراتيجية واضحة لتنمية السياحة الوطنية، وتأسيس أجهزة التنمية السياحية في المناطق، واعتماد التصنيف الجديد للفنادق والشقق، وإنشاء المتاحف العامة والخاصة، وتنظيم المعارض الداخلية والخارجية لسياحة وآثار الوطن، وتوطين المهن والحرف والصناعات التقليدية. كل ذلك وأكثر، وفي أقل من 12 عاماً، هو كل عمر هذا القطاع الحيوي. - البطالة، وهي أحد الملفات الساخنة، والذي يلقى عناية فائقة من قبل الدولة؛ حيث أقرت حزمة من المعالجات والمبادرات للحيلولة دون تفاقم هذه المشكلة الحساسة، كصندوق تنمية الموارد البشرية، وبرنامج حافز، ومشروع السعودة، وصناديق المشاريع الصغيرة للجنسين... والكثير الكثير من الخطوات لمعالجة هذه المشكلة الخطيرة. نعم، التحديات والصعوبات كثيرة جداً، ولكن في المقابل أيضاً، هناك الكثير من الإنجازات والتطورات والإمكانات التي ننعم بها جميعاً، والتي تستحق الإشادة والفخر والتشجيع.