في البداية.. أتقدم باسمي ونيابةً عن أعضاء مجلس إدارة الخطوط الجوية العربية السعودية وجميع منسوبيها داخل المملكة وخارجها، بخالص العزاء لمقام خادم الحرمين الشريفين والعائلة المالكة الكريمة والشعب السعودي النبيل والعالم الإسلامي لوفاة سلطان الخير والعطاء والوفاء الذي خدم دينه ووطنه بكل إخلاص وأمانة. لقد عرف أبناء الوطن «سلطان الخير» قائداً مُلهماً وإدارياً بارعاً يمتلك النظرة الثاقبة والفكر المستنير والاطلاع الواسع على ما يدور في العالم من تطور وأحداث حريصاً في كل وقتٍ على إحقاق الحق وإسعاد كل محتاج، فهو صاحب القلب الحنون والباب المفتوح والابتسامة المشرقة، لم يدخر جهداً في أي وقت لمتابعة جهود البناء والنماء وخطط التنمية المباركة في مختلف أرجاء بلادنا الغالية مُقدماً للجميع القدوة في أداء الواجب وعمل الخير والتفاني في خدمة العمل الإنساني في كل وقت وحين..كيف لا.. وهو الابن البار الذي نهل من النبع الفيّاض لوالده الملك المؤسس عبدالعزيز - طيب الله ثراه- وتميز برصيدٍ هائلٍ من التجارب الكبرى في شتى مناحي الحياة حتى تبوأ مكانته الرفيعة بين الشخصيات الأكثر تأثيراً في عالم اليوم. وإن كُل من يتطلع للكتابة عن صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز - رحمه الله - لابد وأن يتوقف للتساؤل مع ذاته حيال هذه المسؤولية.. إذ كيف يمكن في مقالٍ محدود أو كلمةٍ عابرة أن يسطّر المرء إنجازات هائلة من البناء المتواصل والعطاء الكبير في خدمة الوطن والمواطنين فالرصيدُ كبير والإنجازات متنوعة ومتتابعة بحيث لا يمكن لصاحب قلم مهما أُوتي من براعة، أن يجتهد في الاختصار لكنني سأحاول أن أُقلّب بعضاً من صفحات التاريخ العريق وصولاً إلى البدايات الأولى على الطريق. مطاراتٌ محدودة.. خدماتٌ متواضعة.. ممراتٌ ترابية.. محطاتٌ داخلية محدودة خطواتٌ أولى على طريق التقدم والنماء.. تحدياتٌ كبيرة.. وطموحاتٌ أكبر.. هُنا، بدأ سموه الكريم - رحمه الله - بفكره الثاقب في تحديد استراتيجيةٍ متكاملة للنهوض بقطاع الطيران والنقل الجوي وتطويره لخدمة خطط التنمية وربط أرجاء وطنٍ في حجم القارة بوسيلة نقلٍ سريعةٍ واقتصادية وبدأت مشاريع ضخمة لبناء المطارات وتطوير خدمات النقل الجوي، واليوم تمتلك بلادنا أضخم التجهيزات من مرافق النقل الجوي، كما تتمتع بلادنا بمكانة مرموقة في كافة المنظمات والهيئات الدولية المعنية بخدمات وسلامة الطيران المدني متميزةً بموقعها الفريد وسط العالم شرقِه وغربه. ولقد تشرفتُ شخصياً من خلال موقعي، بالاطلاع على جوانب العبقرية في شخصيته الفذة - رحمه الله - وتلقيتُ في مواقف ومناسباتٍ عديدة، التوجيه السديد من سموه الكريم بمواصلة تطوير الخدمات لمواجهة المنافسة المتزايدة في صناعة النقل الجوي والتركيز على إعداد وتأهيل الكوادر البشرية من أبناء الوطن، وتقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن والمعتمرين، وتعزيز دور المؤسسة في خدمة بلادنا من خلال تطوير دورها في خدمة المجتمع وتنمية السياحة الداخلية وخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة، مع المضي قُدماً في تنفيذ مشروع الخصخصة في إطار هذا التوجه الذي اعتمدته القيادة الرشيدة رعاها الله، خياراً استراتيجياً للتنمية في بلادنا الغالية.. ورغم مشاغله الجسام - يرحمه الله - كنتُ ألمس وزملائي خلال رئاسته اجتماعات مجلس إدارة الخطوط السعودية مدى اطلاع سموه الكريم ومتابعته لأدق التفاصيل وحرصه الدائم على رعاية أبنائه منسوبي المؤسسة والتأكيد على عدم المساس بمزاياهم ومكتسباتهم خلال مرحلة التحول إلى الخصخصة باعتبارهم أغلى ما تملك المؤسسة من ثرواتٍ وإمكانات.. نعم إنها جوانب العبقرية التي لا يتسع المكان أو البيان للإحاطة بكل جوانبها المشرقة. واليوم، حينما نجد الخطوط السعودية تُحقق هذا التطور السريع في منظومة الخدمات من خلال التقنية الحديثة وتواصل استقبال طائرات أسطولها الجديد، وحينما تستكمل مؤسستنا مراحل رئيسية على طريق الخصخصة وتحظى بالتقدير الدولي والمكانة المتقدمة بين كبريات شركات الطيران في العالم.. وحينما نجد أبناء الوطن من منسوبي «السعودية» يحققون التفوق والإبداع في عالم الطيران ويحظون بالإشادة والتقدير من الخبراء الدوليين ويشغلون المواقع القيادية في قطاعات المؤسسة المختلفة حينما نجد كل ذلك.. نُذكر بالوفاء ونُدرك بجلاء حجم العطاء الكبير وعمق النظرة الثاقبة لسلطان الخير - رحمه الله -. سلطان الخير، هو الباني لدروع الدفاع عن الوطن الغالي براً وبحراً وجواً.. هو المؤسس لأكاديميات العلوم العسكرية التي تُعد الأجيال من الأشاوس للدفاع عن تراب الوطن الحبيب ورد كيد الكائدين إلى نحورهم.. هو نبع العطاء في المجالات الإنسانية والعمل لخير البشرية وهو الموجه للحفاظ على البيئة والحياة الفطرية وهو المخطط للانطلاقة الكبرى لسياحتنا الداخلية.. هو هذا وذاك.. وغير ذلك الكثير.. فقد كان - يرحمه الله - جامعة للعلم والحكمة يقصدها كل باحثٍِ عن الريادة والتواصل الإنساني. هذه لمحةٌ موجزة تُمثل قطراتٍ من بحر العطاء، وإن كان لي شرف المحاولة إلا أن التاريخ وحده هو الذي سوف يسجل للأجيال، مراحلَ هذه المسيرة المباركة بأحرفٍ من نور بينما تترسخ في الأفئدة والقلوب تلك الصور المشرقة لسموه رحمه الله وهو يتابع شخصياً مسيرة العمل والإنجاز في ربوع الوطن الحبيب ويجزل العطاء في ميادين الخير في كافة أنحاء المملكة وكل مكانٍ من هذا العالم. سوف نذكر دائماً بالخير «سلطان الخير» ونتجول عبر تلك الصفحات المضيئة والمواقف الجليلة لشخصيةٍ عظيمة وهبها المولى سبحانه وتعالى ثاقب الفكر وحب العطاء وعميق التواصل الإنساني الذي يبقى إلى ما شاء الله. وفي الختام.. أسأل المولى العلي القدير أن يتغمد «سلطان الخير» بواسع رحمته ورضوانه وأن يلهمنا جميعاً الصبر والسلوان.. إنه سميعٌ مجيب. * مدير عام الخطوط السعودية