جيلُ ما بعد الاستعمار الفرنسي لسورية من قيادات وأحزابٍ، وكامل الشعب هم من ساند وحارب واستضاف الشعب الفلسطيني وسنّ القوانين بكامل حقوقه أسوة بالشعب السوري، لكن المزايدة على القضية بدأت مع نظام الأسد الذي أُجبر على الحرب ضد إسرائيل خوفاً من استفزاز الشعب، وفي ظله احتُل الجولان، وقيل عن تواطؤ واتهامات للأسد الأب، لكن ما يُضحك أن كل إصلاح وعمل سياسي يتوجه للمواطن السوري، كان يصطدم بأن الدولة في حالة حرب ومواجهة، وخرجوا علينا بشعار المقاومة والممانعة في حين لم ترد السلطة على تدمير نواة المفاعل النووي الذي ضربته إسرائيل، وعلى تدمير منصات الصواريخ السورية في البقاع اللبناني، وحتى جبهة الجولان، وبدون توقيع سلام مع إسرائيل، لم تشهد إطلاق رصاصة من دولة الممانعة.. احتضنت حكومة الأسد حماس باتفاق مع إيران، واستطاعت أن تضعها على تقاطع مع السلطة الفلسطينية، إلى حد المناوشات وسجن أعضاء من الطرفين، لكن حماس في سورية ظلت صوتاً بلا فعل بحيث لم يسمح لها بممارسة أي نشاط عسكري ضد إسرائيل بل مجرد رافعة شعارات، لكنها في السنوات الأخيرة شعرت أنها جزء من النظام الذي يريد تحويلها إلى لعبة في يده، ومع انفجار الثورة خرجت بأعضائها إلى قطر.. حالياً تجري حرب مدمرة في مخيم اليرموك الفلسطيني، دمر مسجد آوى الهاربين من القصف ليموتوا داخله بعمل مشابه لما تقوم به إسرائيل، فقط لأن انحياز المخيم للثوار ومناصرة الجيش الحر، اقتضى هروب أحمد جبريل المعروف بولائه للنظام من الجبهة الشعبية - القيادة العامة، ثم لأن المخيم نقطة الهجوم الاستراتيجي على وسط دمشق، لكن الكذبة الكبرى فشلت أن تصدق، فالفلسطيني الذي من أجله قال النظام إنه في حالة حرب مع إسرائيل يهاجم المخيم ويقتل ساكنيه، وبالتالي فالاعتبارات القديمة لم تعد تنطلي على نظام يريد أن يحمي محيط قصره، والتضحية ليس بالشعب السوري، لكن من ادعى أنهم في حمايته.. الشعب الفلسطيني استنكر بكل فصائله ما يجري في مخيم اليرموك، والحكومة الفلسطينية هددت برفع الملف إلى مجلس الأمن ما يؤكد عري حكومة الأسد، وبالتأكيد فإن التضامن الفلسطيني مع السوري المناهض للنظام هو الإدراك المشترك أنهما في خندق واحد، وأن الأسد وجبريل وبعض جبهته ممن زايدوا على فلسطين اتضح وجههم الحقيقي، خاصة وأن الوعي عند المواطن الفلسطيني، وكذلك السوري يفوقان ما كانت تخادع به سلطة دمشق.. إسرائيل مسرورة بما يجري في المخيم، لأن ذبح أي فلسطيني بدءاً من الأرض المحتلة، ومروراً بالأردن ثم لبنان وأخيراً بسورية، يجعلها تحاول توظيف آلة دعايتها بأن الفلسطيني محارَب بين أبناء عمومته، فكيف تستطيع ضمان ولائه وهو الذي يعلن تدميرها؟ ومثل هذه الذرائع تقنع الشعوب التي لا تدري بأسباب الصراع ومنشئه وتطوره، لكن الأسد يحاول تقليد إسرائيل بمذبحة صبرا وشاتيلا داخل مخيم اليرموك وبلا وازع أخلاقي.. وبسقوط النظام سوف تتكشف حقائق خطيرة، سواء التعامل مع إسرائيل، أو لعبة الورقة الفلسطينية واتخاذها هدفاً باطنياً لمؤامرة مشتركة ضدهم مع العدو، فحساب الزمن كبير ولا غطاء على الحقائق الواضحة..