سلطان بن سلمان، العاشق للتراث العمراني. أعرف انها مسؤولية شاقة ومضنية، فأنت تخوض حرباً شرسة، وعلى أكثر من جبهة، ولكنك وفريقك الرائع حققتم الكثير من الانجازات والمكتسبات في مجال الحفاظ على ما تبقى من تراثنا العمراني، هذا التراث الجميل الذي شيده الآباء والاجداد، لتحكي قصته الرائعة كل الاجيال المتعاقبة يبدو أن الكتابة عن السياحة والآثار والتراث العمراني وشخصية المدن وغيرها من ملفات التجربة الوطنية السياحية التي تضطلع بحملها الثقيل الهيئة العامة للسياحة والآثار منذ 13 عاماً، تحتاج إلى الكثير من الاعتبارات والتداعيات والالتفافات، لأن هذا القطاع الحيوي يتعرض بكل أسف لمواجهة شرسة، من العديد من الجهات. نعم، الهيئة العامة للسياحة والآثار، وهي الجهاز المعني بهذا القطاع المهم، تحاول جاهدة - بل وتتحايل في أحيان كثيرة - أن تُجذر وتُرسخ السياحة الوطنية كثقافة ومفهوم وقناعة في فكر ومزاج وسلوك المواطن البسيط، فضلاً عن المسؤول والمستثمر، ولكن يبدو أن الواقع الحقيقي لمفهوم السياحة الوطنية في بلادنا العزيزة، حتى الآن لم يتمظهر بشكل طبيعي ولا يتطور وفق وتيرة متسارعة باتجاه توطين هذه الصناعة - أي السياحة - التي تدر المليارات وتوفر مئات الآلاف من الوظائف. فلا يُعقل مطلقاً، أن تبقى سياحتنا الوطنية كمنظومة واسعة تحوي جميع التفاصيل المرتبطة بهذا الملف المهم كالآثار والمعالم السياحية والتراث العمراني والفنادق والشركات السياحية والمهرجانات والفعاليات وغيرها، تترنح في المربع الاول، مربع البدايات والتجريب والعشوائية، إضافة إلى تنامي حالة الشك والارتياب والخوف من إشاعة وتسويق وترويج الثقافة السياحية في بلد شاسع ومترامي الأطراف ويمتلك من المقومات السياحية والتراثية والعمرانية والثقافية والفولكلورية ما يجعله في طليعة الدول السياحية، ليس على الصعيد العربي وحسب، بل وعلى الصعيد العالمي. قبل عدة أيام، شاركتُ في ملتقى التراث العمراني الوطني الثاني، والذي أقيم في المنطقة الشرقية، بمشاركة نخبة متخصصة في مجال التراث العمراني، حيث قُدمت العديد من التجارب والورش والمحاضرات من قبل جهات وشخصيات دولية وعربية ومحلية. تجارب اوروبية وأفريقية وآسيوية وعربية ووطنية في مجال التراث العمراني وكيفية المحافظة عليه، باعتباره أحد أهم مقومات الجذب السياحي، بل أحد أهم المعايير المهمة لمدى تطور وتقدم الامم والمجتمعات. وكعادة الملتقيات والمؤتمرات، خاصة في مرابعنا العربية، فقد كانت التنظيرات والطموحات والتطلعات هي المهيمنة تقريباً على تفاصيل الملتقى، مع عدم إغفال بعض التجارب العملية الخاصة بطرق وأساليب العناية والمحافظة على المباني التراثية كالقلاع والحصون والبيوت القديمة، وكذلك استعراض أحدث الافكار والرؤى حول تأهيل وتشغيل المباني التراثية، لأنها تُمثل ذاكرة المكان كتجربة إنسانية متكاملة تستحق أن تبقى خالدة لكل الاجيال. عموماً، تُعتبر هذه الملتقيات المتخصصة في مجال التراث العمراني، إضافة رائعة باتجاه تكريس ثقافة التراث العمراني كبيئة حاضنة لذاكرة الزمان والمكان، وكثقافة بصرية تُسجل مسيرة الآباء والاجداد، بل والحضارة الانسانية بشكل عام. ويبدو أن هذا الملف المعقد - أي التراث العمراني - رغم كل المقاربات الحثيثة من قبل الهيئة العامة للسياحة والآثار بقيادة عرّابها سلطان بن سلمان، وهو أحد المهتمين والمولعين بالتراث العمراني، ويملك تصوراً واضحاً - بل حلماً كبيراً - لواقع هذا المخزون الهائل من التراث والعمارة والفلكلور والالوان والزخارف والرقصات والاهازيج في هذه البلاد الواسعة التي حباها الله بتنوع وتعدد جغرافي وثقافي واجتماعي وقبلي وعرقي ومذهبي لا مثيل له على الاطلاق. نعم، يُصر سلطان بن سلمان على تحقيق حلمه الرائع، ويعمل بكل جهد وإخلاص ومهنية لكي يصبح الحلم حقيقة ماثلة للعيان، وتحصل سياحتنا الوطنية بكل تفاصيلها الكثيرة على اعتراف صريح وواضح من كل الاطراف والجهات، الرسمية والخاصة. وكما هو معلوم ومجرب، فإن المنجزات الكبرى، تبدأ عادة بأحلام صغيرة جداً، ولكنها سرعان ما تكبر وتتمدد، ويكتب لبعضها النجاح والتحقق على سطح الواقع. ولكن - وآه من لكن - الصورة ليست وردية هكذا، حيث إن هذا المشروع النهضوي الكبير في مجال السياحة والآثار، وتحديداً في مجال التراث العمراني، يتطلب تضافر كل الجهود المختلفة للوصول لقناعة راسخة وحقيقية بأهمية المحافظة على هذه الكنوز الوطنية التي تستحق البقاء والخلود لأنها ليست مجرد شواخص عمرانية او تراثية، ولكنها شواهد حضارية وإنسانية تؤرخ وتوثق وتسجل المسيرة الخالدة لهذه الامة. هذه المباني والقلاع والحصون ليست مجرد جدران وأحجار وأقواس وزخارف والوان وصور. لا، هي ليست كذلك، ولكنها السجل الحضاري لتاريخ الامم والشعوب، والدليل الواضح على انها ليست طارئة على الحضارة الانسانية. فنحن لسنا بقعة جرداء بلا حياة أو لون أو شكل، ولكننا ننتمي لهذا العالم الكبير ونتطلع للمشاركة الحقيقية في تنميته وازدهاره. التراث العمراني بكل تفاصيله المتعددة، يُمثل حالة متقدمة وناضجة وواعية تُمارسها الأمم والمجتمعات لإثبات حضورها الفاعل والقوي في حركة التقدم والتمدن البشري، منذ عصر الانسان الاول وحتى وقتنا الراهن. سلطان بن سلمان، العاشق للتراث العمراني. أعرف انها مسؤولية شاقة ومضنية، فأنت تخوض حرباً شرسة، وعلى أكثر من جبهة، ولكنك وفريقك الرائع حققتم الكثير من الانجازات والمكتسبات في مجال الحفاظ على ما تبقى من تراثنا العمراني، هذا التراث الجميل الذي شيده الآباء والاجداد، لتحكي قصته الرائعة كل الاجيال المتعاقبة..