من المشاكل التي تواجهنا كأطباء في العيادات النفسية هي مشكلة العلاج الشعبي الذي يقوم به بعض الأطباء الشعبيين المنتشرين بكثرة في مختلف مناطق المملكة، وللآسف أصبح هؤلاء المعالجون كثراً لدرجة لا أحد يستطيع أن يعرف أين وكيف تواجدوا بهذه الاعداد الهائلة، ومتى حصلوا على المعرفة والخبرة التي تؤهلهم للقيام بأعمال. أولى هذه المشاكل أن هؤلاء المرضى لا يعرف أحد ماهي مؤهلاتهم العلمية أو كفاءتهم في علاج المرضى النفسيين. لقد أصبح هذا المجال مُربحاً بعد أن أصبح يقوم به أي شخصٍ دون أن يكون لديه ترخيص أو شهادة لكي يمارس مهنة الطب. في جميع أنحاء العالم تقريباً لا يمارس أحد العلاج.. أي نوعٍ من أنواع العلاج إلا إذا كان يحمل ترخيصاً ويدفع ضريبة مقابل ما يحصل عليه من مالٍ يدفعه له المرضى، ويكون هناك إشراف من جهات مختصة بمراقبة الممارسة المهنية لمن يقوم بأهم أمور الإنسان وهو علاج صحته. بالنسبة لنا عندنا أكثر من يمارس مهنة الطب الشعبي هم اشخاص ليس لديهم أي مؤهل أو خبرة من مؤسسات صحية يُعتمد عليها، خاصةً في علاج الأمراض النفسية والعقلية؛ فأكثر الناس ليس لديهم معلوماتٍ جيدة وصحيحة عن الأمراض النفسية، ويكاد يكون الجهل التام بالأمراض النفسية وعلاجاتها الحديثة مفقوداً عند الطبقات الدنيا من المجتمع و كذلك عند بعض أفراد الطبقة الوسطى، وتكاد تكون سطوة الثقافة الاجتماعية القديمة سائدة في المجتمع بأجمعة والتي لا تؤمن بالطب النفسي الحديث وبالأدوية النفسية. ساعد على انتشار المعالجيين الشعبين أسطورة أن الأدوية النفسية هي أدوية مخدّرة و يدُمن عليها، وللآسف فإن فكرة أن الأدوية النفسية ليست سوى أدوية تخدّر المريض وليس لها أي مفعول علاجي، هذا خطأ وتشويه كبير لمفهوم الأدوية النفسية، حيث أن الأدوية المخدّرة والأدوية التي يُدمن عليها لا يتجاوز نسبتها سوى نسبة ضئيلة جداً من الأدوية النفسية التي تستخدم لعلاج الأمراض المختلفة. من الأنواع العلاجية التي أعتقد بأنها تضر بالمرضى هي العلاجات التي تُعرّض المريض لإيذاء بدني، مثل أن يقوم شخص - في أغلب الأوقات يكون جاهلاً - بتشخيص أن المريض لديه فتق ( أي فتحة ) في الرأس ، ويقوم أو تقوم المعالجة بوضع ما يُسمى ب "اللبخة أو الصبخة" وهو عبارة عن مواد مختلفة تُخلط معاً تكون مثل خلطة الطين الترابي الذي كان يُستخدم سابقاً للبناء، لا يُعرف على وجه التحديد ماهي مكوّناتها، وربما تختلف من مُعالجٍ لآخر، وربما تتكون من مواد ضارة أو حتى خطيرة على صحة المريض، ويُفرض على المريض أن يضع هذه الخلطة (اللبخة) على رأسه لمدة تمتد من ثلاثة أسابيع إلى فترة قد تطول لأشهر، ويشترط المعالج أن يمتنع المريض إذا كان يتناول أي أدوية نفسية عن تناول هذه الأدوية النفسية، وهذه مشكلة عصية جداً، حيث أنه في كثير من الأحيان ينتكس المريض إذا توقّف عن تناول العلاج. ومشكلة آخرى أن بعض المرضى يتغيبون عن العمل لمدة ثلاثة أشهر دون إجازة مرضية، ويأتي إلى العيادة ويطلب من الطبيب النفسي أن يعطيه إجازة عن الأشهر التي تغيّب فيها عن العمل، وهذا لا يمكن فعله، لأن الإجازات لا تُعطى بأثر رجعي، إذا رغب الطبيب مساعدة المريض فإنه يقوم بإعطائه الإجازة من تاريخ حضوره للعيادة، وهنا تحدث مشكلةً آخرى، فإذا لم يكن مع المريض إجازة مرضية من مستشفى مُعتمد، ويزيد الطين بلة، إذا كانت فترة التغيّب عن العمل تمتد مثلاً إلى ثلاثة أشهر، حيث إن بعض المعالجين يطلبون من المرضى الاحتجاب ( البعد عن الناس والانعزال وحيداً) لمدة ثلاثة أشهر، ولا أعرف ماهو المنطق الذي يتطّلب من المريض أن يبتعد وينعزل عن الناس لمدة طويلة وهو يضع هذه اللبخة على رأسه؟. المشكلة الآخرى أن وضع مواد لا أحد يعرف على وجه التحديد ماهي هذه المواد التي تحويها اللبخة قد يُعرّض الشخص إلى أن يُصاب بالتهاب في فروة الرأس أو حتى أكثر من ذلك وأشد ضرراً على المريض إذا قد ينتشر الالتهاب إلى أجزاء أكثر عمقاً في الدماغ. المشكلة أنه لا يمكن للدماغ أو الرأس أن يكون فيه فتق أو تنفيس، فالجمجمة عبارة عن عظام متلاصقة وصلبة وصعب أن يحدث فيها تنسيم أو فتق أو تنفيس، ولا أعلم كيف يُصدّق شخصاً أو أهل مريض بأن الرأس به تنفيس أو تنسيم أو فتق؟. مريض قال لي بأن مُعالجة شعبية قامت بقياس محيط رأسه بخيط وقالت له بأن رأسه فيه تنسيم ( أي أن هناك فتحة في الجمجمة ويخرج من هذه الفتحة هواء) وأنه بحاجة لعلاج هذا التنسيم باللبخة التي تصنعها هذه السيدة الأميّة والتي تصنع هذه اللبخة وتضعها على رأس المريض لمدة قد تستمر أسابيع أو أشهر وينعزل المريض خلال هذه الفترة ويمتنع عن تناول أي أدوية، والغريب أن أكثر من يذهبون لمثل هذه السيدة يستجيبون لطلباتها برغم أن هذه السيدة أميّة ولا يُعرف أنها تمرّست على علاج الأمراض النفسية على يد شخص له علم بالأمراض أو الطب. إن علاج الناس أمرٌ في غاية الخطورة فمنذ أقدم العصور كان لا يُمارس مهنة الطب إلا من تدّرب وأجُيز من قِبل شخص أو مجموعة من الأشخاص، وكان الطبيب الشهير ابن سينا يمتحن الطلاب الذين يرغبون في ممارسة الطب، ويعمل لهم أمتحانات ومن لا يستطيع أن يثبت كفاءته وبراعته في الحفاط على حياة المرضى ويكون طبيباً مؤتمناً وأميناً على حياة المرضى ويكون أيضاً ذا أخلاق رفيعة في تعامله مع المرضى ويحافظ على أسرارهم فإن ابن سينا كان لا يُجيز له أن يمارس مهنة الطب أو أي عمل يتعلّق بعلاج المرضى بأي صورةٍ كانت. الطب النفسي له أصوله وأدواته وأطباؤه المدربون الآن أصبح بعض الجهلة والأميين والذين لا يفقهون شيئاً في الطب يُمارسون مهنة الطب جهاراً نهاراً دون أن يمنعهم أحد من القيام بهذا العمل، برغم أنه لو قام طبيب بفتح عيادة دون الحصول على ترخيص من الجهات المختصة فإنه يُعاقب بصورة شديدة، بينما الذين يفتحون أماكن لعلاج المرضى في الأحياء الشعبية الفقيرة وفي الصحاري وحتى في الأماكن الفخمة والأحياء الفاخرة وهم لا يفقهون أي شيء في الطب ويقومون بعلاج المرضى من جميع الأمراض، وإن كانت الأمراض النفسية هي الأكثر انتشاراً في مثل هذه الأماكن. هذه الطريقة في العلاج قادت إلى مضاعفات خطيرة لكثير من المرضى والمريضات الذين تم علاجهم بهذا النوع من العلاج، ولا أدري كيف يتم سد هذه الفتحة التي في الرأس و تنسم أو تُنفّس بخلطة غير مُعقمّة ولايُعرف ماهي مكوناتها وربما فيها بعض الأعشاب الضارة أو المواد التي تُسبب إيذاء لجلدة الرأس وربما سببت التهابات خطيرة لهؤلاء المرضى. ثمة علاجات آخرى كثيرة يقوم بها المعالوجون الشعبيون للمرضى النفسيين، فمثلاً هناك الكي بالنار بصورة بشعة، بحيث تُسّبب هذه الحروق التهابات قد تقود هذه الالتهابات بعض المرضى إلى العناية المركزة نظراً لخطورة المكان الذي يتم فيه الكي وهو الرأس، وأحياناً تكون هذه العملية مُبالغاً فيها فتتسبّب في جروح مؤلمة وخطيرة للشخص الذي يتعرّض لها. والأمر الآخر لا أعلم ماهي علاقة الأمراض النفسية بالكي؟ فالأمراض النفسية ليس لها علاقة بالكي، وخاصةً الآن في العصر الحديث، خاصةً في السنوات الثلاثين أو الأربعين الأخيرة، كانت هناك أبحاث جادة ومتقدّمة باستخدام أحدث الأجهزة و التقنيات التي صُنعت خصيصياً لفحص الدماغ وعمله وكيفية العمل الذي تقوم به الأدوية النفسية في خلايا الدماغ وكيف يتم تغيير توازن الموصّلات العصبية بالأدوية النفسية التي تُصنّع في مصانع حديثة و تدفع هذه الشركات المليارات حتى يُصبح الدواء متواجداً في الأسواق لكي يتناوله المرضى وهو – إلى حدٍ ما - آمن ومعروف كيف يعمل هذا العلاج وماهي أعراضه الجانبية وكيف يُستخدم ومتى يتم إيقافه. كثير جداً من المرضى الذين يراجعون العيادات النفسية مروّا على مُعالجين بالكي، ويكون المكان بالرأس ويُحدث هذا الكي جروح بفروة الرأس وقد تحدث مضاعفات كثيرة وخطيرة من جراّء هذه العملية التي تضر بجسد الانسان وتُسبّب التهاب هذه الجروح بصورة خطيرة ، وللآسف فإن ليس لأمر الكي في الرأس أي فائدة في علاج الأمراض النفسية والعقلية، بل على العكس أن الألم والمضاعفات الطبية السيئة تزيد من تفاقم الأمراض النفسية والعقلية. أنواع آخرى حديثة من العلاجات الشعبية عن طريق علاج المرضى النفسيين بتمرير تيار كهربائي في جسم المريض ، و هذا قد يقتل المريض، ويقوم المعالج الذي يستخدم مثل هذه العلاجات دون خبرة أو معرفة بكيفية عمل التيار الكهربائي، ولذلك ذهب ضحية هذه الطريقة من العلاج مرضى لاقوا حتفهم جراّء الصعق بالكهرباء. إن هذه الممارسات غايةً في الخطورة، وللآسف تفرّع عن مثل هذه النوع من العلاجات، علاجات آخرى مثل العلاجات بالسشوار، ولا أعلم مرةً آخرى ماهي علاقة السشوار في علاج الأمراض النفسية والعقلية. قالت لي سيدة بأن معالجاً شعبياً يقوم بتشغيل السشوار ويُمرره على المرضى والمريضات بطريقة غريبة ويعتبر هذا علاجاً للأمراض النفسية والعقلية. لا أعرف كيف يقتنع أقارب وأصدقاء مريض أو مريضة نفسية بهذه النوعيات من العلاج. كيف يقتنع والد شاب توفي نتيجة تعرّضه لهذه لهذه الأنواع من العلاجات من أن يُسلّم ابنه لأشخاص جهلة و يتركهم يفعلون به مثل هذه الأعمال الخطيرة والتي لا علاقة لها بعلاج الأمراض النفسية والعقلية ؟ وبعد أن يتوفى الابن يعفو والد المتوفى نتيجة ممارسة شخص جاهل في علاج لا يعرف خطورته ،وهو صعق مريض بالكهرباء بدعوة معالجة هذا المريض بإخراج الجن، والسحر، نعم يعغوى والد المريض النفسي المتوفى عن المعالج لأن الوفاة حدثت عن طريق الخطأ وقضاء و قدر، وربما لو مات في مستشفى نفسي بدون أن يتعرّض له أحد بإيذاء بدني فربما أقام والد المريض بدعوى وشكاوى قضائية لأخذ حقه الشرعي من الأطباء وإدارة المشتشفى!. إن ممارساتٍ كثيرة مؤذية للمريض النفسي يرتكبها الجهلة وأشخاص ليس لهم علاقة بعلاج المرضى النفسيين ولم يُعرف كيف وصلوا إلى أن يصُبحوا معالجيين نفسيين وربما معالجيين لجميع الأمراض النفسية والعضوية ، وقد روى لي زميل بأن شخصاً ، ليس له علاقة بأمور الطب من قريبٍ أو بعيد في أحد مدن المملكة، يُعالج جميع الأمراض بطرقٍ غريبة بما في ذلك أمراض السرطان والفشل الكلوي، وأن هناك من يُصدّقون بأن هذا الرجل الأمي الذي لا يُفرق بين الأمراض و يدّعي أنه يُعالج أمراض الفشل الكلوي الذي هو عبارة عن تعطّل في عضو مهم وحيوي لحياة الإنسان، وللآسف فإن البعض يقتنع بقدرة هذه الشخص الجاهل في علاج هذه الأمراض العصية؟. وللآسف ليس هناك من يمنع مثل هذا الشخص من ممارسة هذا العمل القاتل والذي يمنع المريض من اللجوء إلى المستشفيات المتخصصة في علاج مثل هذه الأمراض. إن الجهات الحكومية المتخصصة في علاج المواطنين، وهي وزارة الصحة مسؤولة عن التصدي للمعالجين الشعبيين الذين يُساهمون في الإساءة وتدمير صحة المرضى وليس علاجهم، وللآسف فإن هؤلاء المعالجين الذين ذكرتهم يمارسون أعمالهم في أماكن معروفة و لهم شهرة تعم الآفاق وبكل ثقة و ليس هناك من يمنعهم من ممارستهم لمهنة الطب الشعبي، ولكن الجهات المسؤولة تُعقّد الأمور أمام الأطباء المتخصصين عند فتحهم أي عيادة برغم مؤهلاتهم العلمية وخبرتهم. إن انتشار العيادات الشعبية التي تعنى بعلاج المرضى في جميع التخصصات أصبحت منتشرة، وهي تضر أكثر مما تنفع، وخاصةً في موضوع الأمراض النفسية والعقلية. لقد ذهب ضحايا ليسوا قليليون من المرضى النفسيين ولم يتم حساب المتسببين في هذه المآسي، إننا نأمل من الوزارة أن تُلقي بالاً لمثل هذه الأمور، فقد أزف الوقت لكي تضع الوزارة حداً لهذه الممارسات الخاطئة والقاتلة.