شهدت السوق العقارية في السعودية حراكا كبيرا شمل تقريبا معظم انحاء المملكة، وبدأ بعض الافراد في انشاء شركات عقارية جديدة وذلك بعد صدور لائحة التمويل العقاري يوم 19 نوفمبر الماضي وذلك للاستفادة من التشريعات الحديثة لتحقيق عوائد جيدة خلال السنوات المقبلة. وتفتح اللائحة الجديدة فرص الاستثمار في عدد من القطاعات الجديدة تضمنتها كل من البنوك، وشركات التمويل العقاري، وشركات التأمين التعاوني، وشركات إعادة التمويل العقاري، وشركات الصيانة، وموفري خدمات بيانات السعر المرجعي للعقار، إضافة إلى شركات البيانات الائتمانية، وأخيرا شركات الإيجار التمويلي. جاء ذلك بعد اعلان مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) مشاريع اللوائح التنفيذية لنظام التمويل العقاري ونظام الإيجار التمويلي ونظام مراقبة شركات التمويل، وهذا النظام الاخير حفز البنوك على زيادة حجم محفظة القروض الشخصية استعدادا للتوسع المتوقع مطلع العام المقبل في ظل توقعات بأن تصل نسبة النمو 12 في المائة إلا أنها مرشحة للصعود في حال دخول قرار الرهن العقاري حيز التنفيذ. وتوقع مصرفيون بأن تواجه البنوك ضغوطا كبيرة من «ساما» في دعم تغطية القروض المتعثرة، والعمل على إعادة جدولة مديونيات المتعثرين من الأفراد لضمان خروجهم من دائرة التعثر التي يصاحبها ارتفاع في هامش الربح المتكرر، مشيرين إلى أن مؤسسة النقد تستهدف خلق بيئة للقطاع المصرفي خالية من الانكشاف والتعثر في سداد القروض، سيما أن 45 في المائة منها سيكون مستحق السداد خلال ثلاث سنوات، مبينين أن نمو القروض الشخصية يدعمه استمرار النشاط الاقتصادي الجيد بصفته أحد محركات النمو للقطاع المصرفي بالمنطقة، في ظل توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي السعودي بنهاية العام 2012 إلى 6 في المائة، لافتين الى ان توجه المصارف إلى الإقراض العقاري من خلال منح قروض جديدة للمواطنين يسهم في حل مشكلة المساكن في ظل إقرار أنظمة التمويل. يشار الى ان دراسة اقتصادية أكدت أن دخول التمويل العقاري على خريطة تمويل البنوك بصورة كبيرة، جعلها بحاجة إلى قروض تمتد من 10 إلى 30 سنة، وهي قروض بحاجة إلى ودائع كبيرة جدا طويلة الأجل، مما دفع إلى التفكير في بنوك متخصصة في تمويل المشاريع طويلة الأجل، مثل مشاريع الشركات العملاقة أو العقارات. وأشارت إلى أن نمو الإقراض لدى أكبر 4 بنوك سعودية من حيث القيمة السوقية يبلغ 13 في المائة في المتوسط، بحلول عام المقبل، مقارنة بمستويات الاستقرار المسجلة في السنة المالية 2010، متوقعة أن يكون نمو الإقراض مدعوما بارتفاع مستويات النمو الاقتصادي وخطة الإنفاق الحكومي، التي تبلغ قيمتها 125 مليار دولار، لافتة إلى أنه على رغم هذه التوقعات إلا أن قطاع البنوك لا يزال يواجه مشكلات في تمويل القروض طويلة الأمد لأكثر من 10 سنوات، والسبب أن متوسط فترة ودائع العملاء لدى البنوك تمتد من سنتين إلى ثلاث سنوات، وهو أمر على رغم أنه يرد عليه بأنه «تراكمي» إلا أن طبيعة البنوك دائما تتحدث عن المضمون المتحقق. ويسعى نظام التمويل الجديد إلى تحقيق الضمانات اللازمة عند ممارسة نشاطات وتمويل العقار أو المنقول، وذلك بوضع ضوابط تحمي الدائن والمدين والضامن في العملية الائتمانية، وتضمنه بيانا مفصلا حول طبيعة الأصول محل الرهن وإجراءات عقد الرهن والشروط المطلوبة لانعقاده وحالات انقضائه، إضافة إلى تحديد حقوق أطراف عقد الرهن والتزاماتهم وتحقيق المرونة المنضبطة اللازمة للاستفادة القصوى من الأصول العقارية والمنقولة، التي لملكيتها سجل منتظم في إيجاد السيولة النقدية، إضافة إلى الموافقة على نظام التمويل العقاري، وتعد وزارة المالية السياسات العامة للتمويل العقاري بالاشتراك مع وزارة الإسكان والجهات المعنية الأخرى. وتضمن مشروع اللائحة التنفيذية لنظام التمويل العقاري القواعد التي تحكم نشاط التمويل العقاري ومعايير عقد التمويل العقاري مع اشتراط الحصول على موافقة المؤسسة على منتجات التمويل العقاري قبل طرحها للتأكد من تحقيقها الحماية الواجبة للمستهلك والمستفيد. ووضع مشروع اللائحة إطارا تنظيميا لإعادة التمويل العقاري وآلية جمع ونشر البيانات المتعلقة بنشاط السوق العقارية، بما يؤسس لقيام سوق ثانوية تساهم في توفير السيولة اللازمة وتخفيض كلفة التمويل على المستهلك في نهاية المطاف. واوضح خبراء عقاريون أن شركات التسويق والتطوير والتثمين ومزودي البيانات والتمويل ستفتح فرصا كبيرة لخلق وظائف كثيرة للمواطنين في السعودية، مشيرين إلى أن العمل في مثل هذه الشركات مناسب للموطنين على غرار ما يحدث في البنوك السعودية، والتي تشهد نسبة توطين واسعة على كل المستويات، مؤكدين ان القطاع العقاري سيقدم عبر لوائح التمويل الجديدة خلال الفترة المقبلة عملية جذب لإنشاء الشركات وتوفير وظائف مباشرة وغير مباشرة، تتضمن المباشرة شركات التمويل والتمويل والتطوير والتثمين ومزودي البيانات بمختلف أنواعها. كما ستوفر العمليات المساندة وظائف غير مباشرة كوظائف التدريب والتحصيل،الأمر الذي يفتح نطاقا واسعا لخلق بيئة مثالية للعمل من قبل المواطنين، على نفس وتيرة ما حدث في قطاع البنوك. وتضمن مشروع اللائحة التنفيذية لنظام مراقبة شركات التمويل متطلبات الترخيص لتلك الشركات وآلية الإشراف عليها، آخذا في الاعتبار التجارب الدولية وأفضل الممارسات المتعارف عليها بما يحقق أهداف النظام ويساهم في المحافظة على سلامة واستقرار النظام المالي وعدالة التعاملات فيه. ومن أبرز ملامح مشروع اللائحة التنفيذية لنظام مراقبة شركات التمويل إيضاح الحقوق الأساسية للمستفيد من خدمات التمويل ووضع الضوابط اللازمة لحمايتها، والارتقاء بمستوى الحوكمة والشفافية وإدارة المخاطر في قطاع التمويل، وتنظيم التزامات شركات التمويل في توطين الموارد البشرية وتدريبها. وشددت اللائحة في المادة الثالثة على أن يزاول الممول العقاري أعمال التمويل العقاري بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية بناء على ما تقرره اللجان الشرعية في نظام مراقبة شركات التمويل بما لا يخل بسلامة النظام المالي وعدالة التعاملات. كما سمحت المادة الخامسة من النظام بأنه يجب على الجهات المنوط بها تسجيل الملكية العقارية (المحاكم وكتابات العدل) تمكين الممولين العقاريين المرخص لهم من الاطلاع والحصول على المعلومات المدرجة في سجلات العقار لديها وفقا لما تحدده اللائحة بالاتفاق مع وزارة العدل، مشيرة في المادة السادسة إلى تغطية مخاطر التمويل العقاري بالتأمين التعاوني. وكذلك تضمنت اللائحة نظام التأجير التمويلي وتحديد العلاقة بين المؤجر والمستأجر، إضافة إلى تفصيل كل المتعلقات بين الطرفين في الأصول المؤجرة إضافة إلى بنود خصصت للمخالفات والمنازعات. وحددت اللائحة نظام مراقبة شركات التمويل يكون من 40 مادة، تتضمن كيفية المراقبة في عمليات شركات التمويل وتحديد مسؤولياتها وما لها وما عليها، إضافة إلى كيفية علاقتها بالعملاء. وحظرت اللائحة على شركات التمويل مزاولة أي نشاط آخر كتملك أو تسويق العقارات، إضافة إلى تطوير أو تقييم العقارات، ويحق لها تملك العقارات في حالة واحدة وهي بهدف تمويلها للغير، كما تضمنت اللائحة إنشاء لجنة شركات التمويل العقاري لدراسة وضع القطاع وتطويره، وذلك بقرار من محافظ مؤسسة النقد. ونصت اللائحة على أهداف شركة إعادة التمويل العقاري التي تتضمن تأسيس تسهيلات سوق ثانوية لتداول حقوق التمويل العقاري وتسهيل تدفق الأموال بغرض تحقيق النمو والاستقرار في السوق الثانوية للتمويل العقاري، وتوفير سيولة للسوق الثانوية وتوفير سبل أفضل لشركات التمويل العقاري لتمويل المستفيدين لتملك العقارات السكنية. وشدد النظام على إعادة شركات إعادة التمويل العقاري بتجنيب نسبة 30 في المائة على الأقل من أرباحها السنوية إلى احتياطي رأس المال، فضلا عن الاحتياطي الإلزامي المقرر من نظام الشركات إلى أن يبلغ الاحتياطي 100 في المائة من رأس المال. ويتم في المملكة انشاء ما يقارب 150 ألف وحدة سكنية بشكل سنوي من القطاع الخاص والعام، في الوقت الذي تحتاج فيه المملكة إلى ما يقدر بنحو 200 ألف وحدة سكنية بشكل سنوي، كما شهدت السوق مؤخرا تضخما نسبيا في الأسعار، ويتوقع أن تشهد الفترة المتبقية من 2012 إلى متوسط 2013 تصحيحا في الأسعار مع استمرارية نمو السوق العقارية في البلاد. ودعت اللائحة شركات التمويل العقاري إلى تجنب الإفراط في استخدام تسهيلاتها بما قد يؤثر على أسعار الأصول العقارية في السوق، إضافة إلى دعوتها لأهمية الاحتفاظ بسيولة عالية أو استثمارها في أوراق مالية صادرة عن حكومة المملكة أو استثمارها في أوراق مالية ذات مخاطر متدنية. كما حددت اللائحة حدا أدنى لرأس المال المدفوع لشركة التمويل بنحو 50 مليون ريال لشركة التمويل التي تمارس نشاط التمويل العقاري، في الوقت الذي حدد 100 مليون ريال لشركة التمويل التي تمارس واحدا أو أكثر من النشاطات التمويلية خلال التمويل العقاري والتمويل متناهي الصغر، و10 ملايين ريال لشركة التمويل التي تمارس نشاطا متناهي الصغر، مشيرة إلى أن لمؤسسة النقد العربي السعودي رفع الحد الأدنى لرأس المال أو تخفيضه وفقا لأوضاع السوق السائدة ولما تقتضيه المصلحة العامة. وكانت بعض شركات التمويل العقاري المتخصصة في المملكة قد اعلنت عن انتهائها من وضع خطط التوسع في طرح منتجاتها التمويلية خلال الفترة المقبلة لمواكبة التغيرات الجديدة التي ستدفع بها أنظمة الرهن والتمويل العقاري في عموم السوق العقاري. وجاءت هذه الخطوة في ظل قدرات تلك الشركات ومعرفتها تفاصيل السوق العقاري - بحكم التخصص - وكذلك قدرتها على تقنين منتجات تناسب متغيرات السوق العقاري، ومواكبة الطلب المقبل على المنتجات التمويلية، إضافة إلى ارتفاع الطلب على التمويل العقاري للمطورين العقاريين الراغبين في تشييد المساكن، بالاستفادة من الميزة النسبية التي ستخلقها هذه الأنظمة. ويقول خبراء بالقطاع العقاري إن الفجوة بالقطاع تتركز في تلبية طلب شريحة أصحاب الدخل المنخفض وإلى حد ما شريحة أصحاب الدخل المتوسط إذ لم تكن شركات التطوير العقاري تركز فيما مضى سوى على بناء مساكن لأصحاب الدخل المرتفع والتي لا تمثل سوى عشرة بالمائة من الأسر.