يعقب تقاعد أعضاء هيئة التدريس عدة خيارات من أبرزها التعاقد معهم ومواصلة المسيرة العلمية، أو بدء حياة أكاديمية أخرى في مجال آخر، أو متابعة بعض الأعمال الجانبية البعيدة كل البعد عن العمل الأكاديمي، أو التوقف والانشغال بالأسرة ومتطلبات الحياة. ويُعد التعاقد مع «المتقاعدين» من أعضاء هيئة التدريس نهجاً يتبعه نظام التعليم العالي؛ لامتلاكهم خبرات متميزة، بما اكتسبوه من مهارات ومعارف خلال سنوات عملهم السابقة، وكذلك قدرتهم على مواصلة مسيرة البذل والعطاء والإسهام الفاعل في عملية التنمية الاقتصادية الاجتماعية الشاملة التي تشهدها الدولة، إلى جانب التوسع في الكليات والجامعات مع تزايد أعداد الطلبة نتيجة نمو السكان والطلب على التعليم العالي، إضافةً إلى قلة التخصصات التي تمنح درجة «الدكتوراة»، خاصةً في الأقسام العلمية بالذات. وتسعى جامعات المملكة إلى التعاقد مع المتميزين تكريماً لهم، وتوظيفهم كخبراء مستشارين في المواقع العلمية والإدارية استكمالاً لرسالتهم التي آمنوا وساروا عليها منذ أن مارسوا العمل الأكاديمي، وهو ما جعل الجامعات تهتم بالتعاقد معهم للإفادة من خبراتهم، حيث يستفاد منهم في مجال الإشراف على الرسائل والبحث العلمي، وكذلك الدراسات العليا وتغطية العجز في بعض التخصصات. استشارة وتوجيه وذكر «أ.د.عبدالله الرفاعي» -رئيس قسم الإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- أنّ مسألة التعاقد مع المتقاعدين من الأساتذة اتجاه حديث بالمملكة من قبل الجامعات، حيث إنّ الأستاذ الجامعي عطاؤه لا يتوقف، حتى عندما يبلغ السن القانونية، فيحول لأستاذ غير متفرغ، مبيّناً أنّ الإفادة من الأساتذة المتقاعدين المتعاقد معهم تستند إلى قدراتهم وخبراتهم وإمكاناتهم العلمية والعملية، وليس بالضرورة أن يكون الاستعداد مهيئاً لكافة الأساتذة، لابد أن يكون ذلك لمن لديهم رغبة تقابل أن يحقق وجودهم بالجامعة فائدة حقيقية للجامعة، مشيراً إلى أنّ بعض الأقسام لديها إشكالات عندما يخاف المسؤولون من اتخاذ القرار حين يكون المتقاعدون المتعاقد معهم عائقين للتطوير، على الرغم من أنّ هذا الأمر محسوم من خلال إشراكهم بالعملية التطويرية وليس بالعملية الإدارية، بحيث يكونون استشاريين وآراؤهم غير إلزامية، لأنّ الأجيال الجديدة هي التي يكون لها القرار بالتطوير والتقدم والإفادة من خبرات المتقاعدين كاستشاريين وموجهين. يستفاد منهم في الإشراف على البحوث والدراسات العليا وتغطية العجز في بعض التخصصات برامج مدفوعة ولفت «د.الرفاعي» إلى أنّ الجامعات يجب أن تتعامل وتفعل عملية إتاحة الفرصة أمام الأساتذة المتعاقد معهم بالبرامج العلمية بتكاليف مدفوعة، لأنّ هذه الميزة لا تعطى سوى لمن هم على رأس العمل، متمنياً أن تُراعي هذه النقطة لإتاحة نفس الامتيازات للأستاذة المتعاقد معهم، وكذلك أن تكون إجراءات التعاقد أكثر ملاءمة ومناسبة؛ بحيث يكون هناك نظام يختص بهم يراعى فيهم القدرة الجسدية والعلمية بدون طلب وأكثر سهولة، مشدداً على أهمية عدم حرمان المكان التعليمي منهم، فالإنسان بطبعة شخص نوعي يتمتع بالحضور الذهني والجسدي والعلمي. روافد علمية ورأى «د.حسان بصفر» -أستاذ الإعلام والاتصال بجامعة الملك عبدالعزيز- أنّ الأستاذ الجامعي المتعاقد معه لديه الخبرة بالتخصص أكثر من الأساتذة الجُدد؛ مما يسهل الإفادة منهم من خلال آرائهم بتنظيم دورات تدريبية والمشاركة بالإستراتيجيات التطويرية بالعمل، إلى جانب أنّ الأستاذ الجامعي عطاؤه يبدأ عندما يتقاعد، لتفرغه للبحث العلمي بشكل أكبر وحضور للندوات والمحاضرات، وكذلك لابتعاده عن الأعمال الروتينية التي كانت تفرضها عليه وظيفته سابقاً، مبيناً أن عضو هيئة التدريس لديه ثلاثة عناصر هي التدريس، والبحث العلمي، وتقديم خدمات للمجتمع من خلال الدورات والخطط الاستشارية. ولفت إلى أنّ كون الأستاذ الجامعي على رأس العمل لديه عطاءات، ولكن لن تكون بالعطاء العلمي نفسه للمتقاعد المتفرغ، موضحاً أنّ الحوافز يجب أن تكون على قدر المكانة العلمية التي وصل إليها الأستاذ، حيث إنّه قدم خدمة للمجتمع من تدريس وبحث وتأليف، لذلك يجب على وزارة التعليم العالي أن تدرس الحوافز والمجهود الذي يقدمه، ودعمه معنوياً ومادياً، وطلب مشاركته بمؤتمرات علمية على نفقة الوزارة، والإفادة من تخصصه كرافد علمي ليس بمجال التدريس فقط، بل حتى بالأعمال الإدارية المختلفة. سنوات إضافية وقال «د.غازي مدني» -رئيس قسم الإعلام الأسبق بجامعة الملك عبدالعزيز-: «عمر الأستاذ الجامعي ليس مؤشراً على انتهاء عمله، بل الأساتذة الجامعيين لا يتوقف عطاؤهم أبداً ويستمر حتى آخر عمرهم، خاصةً أنّه في بعض الدول العربية والأجنبية يبقى الأستاذ الجامعي في وظيفته لآخر عمره كأستاذ غير متفرغ»، مضيفاً أن إنجازات الأساتذة ومستوياتهم الإبداعية كفيلة بجعل الجامعات تهتم بالتعاقد معهم للإفادة من خبراتهم التي اكتسبوها على مدى السنوات التي قضوها بهيئة التدريس، لذلك فقد مددت بعض الجامعات سن التقاعد إلى خمس سنوات إضافية لمن يرون أن صحته البدنية والذهنية جيدة، حيث يستفاد منهم في مجال الإشراف على الرسائل والبحث العلمي، لذلك من الأفضل أن لا يتم تحديد سن للتقاعد والتوقف عن التدريس. حوافز ضعيفة وتأسف «د.مدني» على أن الأستاذ الجامعي والأستاذ مشارك أو مساعد لا يعطون حوافز مادية جيدة، وغالباً ما تكون ضعيفة جداً مقارنة بعطائهم وسنوات خبرتهم ومكانتهم العلمية، بل ويعطون رواتب كأن الوزارة متفضلة عليهم بها، والمفروض أنّ يقيّم الأستاذ حسب تقديره العلمي، فهو يحتاج لمتطلبات كثيرة تخدمه كباحث من مراجع وكتب، فالآلاف التي تصرف له كراتب لا تكفيه، لذلك لابد من التقدير العلمي والمعنوي، فهناك أهمية كبيرة للبحث العلمي وعمل الأبحاث المستمرة، خاصةً للأساتذة المتقاعدين، حيث يستفاد منهم لتفريغهم للبحث، خصوصاً أصحاب الكفاءات العلمية، وأن يوضع لهم ميزانيات ضخمة، وليس كما هو الحال اليوم من تدني ميزانيات البحث العلمي، مشدداً على أهمية إشراك القطاع الخاص في ذلك ليقدم الباحث عملية تكاملية في تنمية المجتمع وتطويره، فكثير من الدول تجعل من (1-15%) من دخلها في سبيل البحث العلمي. زيادة السن وأشار «د.مدني» إلى أهمية أن لا يترك تقييم الأساتذة حسب المحسوبيات والعلاقات بين رؤساء الأقسام، بل المفروض أن يقيّم من قبل عمله وتقديمه للبحوث ومن قبل الطلاب، لذلك لابد من إعادة النظر في قضية تقييم الأستاذ الجامعي؛ كي ينال حقه بدون ظلم أو إجحاف مع الإفادة منهم في التخصصات النادرة بمجالاتهم وعدم إشغالهم بمواقع إدارية هي بعيدة عن التخصص، وأن تتم زيادة سن التقاعد لعضو هيئة التدريس إلى (70) عاماً أسوة بكادر القضاء، مبيناً أنه إذا كنا نعاني من عجز في عدد القضاة فمؤسسات التعليم العالي هي الأخرى تعاني من العجز المتفاقم، خاصةً بعد التوسع الكمي في عدد الجامعات؛ مما يحتاج الأمر إلى أعداد مضاعفة من أعضاء هيئة التدريس، فإن لم يتحقق زيادة سن التقاعد إلى (70) عاماً، فعند ذلك يجب أن يفتح باب التعاقد مع المتقاعدين ضمن شروط وضوابط ذات معيار علمي دقيق. أ. د.عبدالله الرفاعي د.غازي المدني د.غازي المدني