قد يتبرم بعض المسؤولين في قطاعات الدولة وهيئاتها من النقد الإعلامي أو المجتمعي لأداء منشآتهم العمومية، ومدى فعالية مخرجاتها الإنتاجية والخدمية. وقد نتفق معهم في ذلك إذا كانت محاور هذا النقد مبناها ادعاءات غير دقيقة، ربما تستتر خلفها رؤية مشوشة، ومصالح ضيقة، تُخرجها عن إطار وسياق النقد الموضوعي المعتبر. ولكن، وفي المقابل، لا يمكن تبرير ولا قبول هذا التبرم، إذا كانت محاور النقد موضوعية، غاياتها نبيلة، ومقاصدها معتبرة، وبواعثها مصالح وطنية مُلحة. في أحوالٍ معينة يتم توجيه سهام النقد صوب جهة حكومية أو هيئة مجتمعية مراتٍ عديدة، ومتكررة، وربما على مدار العام. وهذا راجعٌ بطبيعة الحال إلى استمرار الأوضاع محل النقد مكانك سر، بلْ قد تزداد سوءاً عن ذي قبل. ومن ثمَّ فلا مندوحة على الإطلاق من استمرارية التذكير والتنويه بمصادر وأدوات الخلل والاعوجاج. ولن يتوقف ذلك إلا بقيام المسؤولين عن إدارة المنشأة محل النقد بمعالجة أوضاعها، وتصحيح مسارها، بما يتيح تقديم خدماتٍ أفضل، ومنتجاتٍ أكمل، لعموم المستفيدين وهم أبناء وبنات هذا الوطن العزيز بإذن الله. وفق هذه المبادئ الموضوعية يمارس أصحاب الأقلام الحرة، وعموم الخيرين في هذا الوطن حقهم في التعبير عن أفكارهم، ومرئياتهم، حيال قضايا وطنهم، وهم في حراكهم هذا يستظلون بهامش الحرية المنضبطة، وتحت مظلة الإصلاح والتطوير التي يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله وأسبغ عليه ديمومة الصحة والعافية. تأسيساً على ما سبق سيظل "مجلس الشورى" أنموذجاً للجهات والهيئات العمومية التي تخضع لهذه القاعدة النقدية الموضوعية، وبالتالي هدفاً مشروعاً لكل صاحب قلمٍ ورؤية، إلى حين تمكينه من ممارسة أدواره الرقابية والتشريعية بأقصى فعالية ممكنة، بما يتماهى مع طموحات أبناء الوطن وآمالهم المُعلَّقة على أدائه وحيويته لإصلاح وتقويم وتحسين المنظومة الخدمية والإنتاجية في عموم قطاعات الدولة. بالأمس القريب جداً تحدث الأستاذ الدكتور محمد القنيبط في لقاءٍ مع إحدى الفضائيات المحلية عن العِلة التي تحول دون قيام مجلس الشورى بالأدوار المرجوة منه. ولعلَّ تجربته البرلمانية التي امتدت لثلاث دورات تشريعية متتابعة، تضفي على كلامه الكثير من الجِدية والمصداقية والشفافية. مثل ما تتيح له القدرة على تحديد وتشخيص المشكلة. بعبارات صريحة، وكلمات واضحة، أكدَّ الدكتور القنيبط أن مصدر العِلة، يكمن في نظام تأسيس المجلس، الذي كبَّله بصلاحيات منقوصة، حالت دون ظهور ونشوء كيان برلماني قوي، بأنياب رقابية وتشريعية حادَّة، كفيلة برعاية مصالح المجتمع، وحقوقه، وهمومه المعيشية، كما ترغب وتتمنى الأكثرية المجتمعية. فالمشكلة بالتالي ليست في آليتي: التعيين أو الانتخاب، فالأمر سيان مادامت هذه الصلاحيات منقوصة. ويُحدّد الدكتور القنيبط مصدر العِلة، ونطاقها، وحدودها، في نصِّ المادة السابعة عشرة، من نظام المجلس داعياً إلى إعادة صياغتها، من أجل تمكينه من ممارسة صلاحياته كاملة، وجعل قراراته نافذة، وإلزامية، تنصاع إليها جميع الجهات والهيئات الحكومية، وتتعامل معها باحترامٍ وهيبة ومصداقية وإيجابية عالية. لم يكتفِ الدكتور القنيبط بالإشارة إلى هذه المادة فحسب، بلْ أشار إلى عِلة إضافية، وإن كانت دون الأولى في درجة الأهمية والأولوية، وهي ماثلة في الازدواجية الحاصلة بين عمل مجلس الشورى وهيئة الخبراء بمجلس الوزراء، فالأخيرة تنازع المجلس في بعض اختصاصاته المنصوص عليها في المادة الخامسة عشرة من نظامه، خاصَّة ما يتعلق منها بدراسة الأنظمة واللوائح. ومن ثمَّ فإن تحرير محل التنازع هذا يستدعي بالضرورة قيام متخذي القرار في الدولة بدراسة تحويل هيئة الخبراء إلى وحدة أو إدارة قانونية تحت مظلة مجلس الشورى. هذه رؤية الدكتور القنيبط، ورؤيتي كذلك، ورؤية أقلامٍ ومنابر مجتمعية واسعة، همَّها الأكبر، ودافعها الأسمى، حب هذا الوطن، والولاء لقيادتنا الرشيدة التي هيأت وتهيئ كل السُبُل الممكنة لتمكين أبناء الوطن من الحصول على حقوقهم المعيشية والسياسية في إطارٍ من قِيم هذا الوطن ومبادئه العليا الضامنة للاستقرار والحياة الرغيدة والمطمئنة لجميع أفراده وشرائحه. كلمة أخيرة: يبذل أعضاء مجلس الشورى المحترمين غاية جهدهم، وعصارة فكرهم، في ممارسة أدوارهم الرقابية والتشريعية، ويصوتون سنوياً على مئات القرارات والتَّوصيات المهمة. ولكن - وآهٍ من لكن – في ظل صلاحيات المجلس المنقوصة تتبعثر الكثير من هذه القرارات والتَّوصيات وتذهب الجهود الحثيثة المبذولة في صياغتها شذر مذر. من الأقوال المأثورة عن سلف الأُمَّة: كتب أحد الولاة للخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله يطلب مالاً ليبني سوراً حول عاصمة الولاية. فأجابه الخليفة عمر: ماذا تنفع الأسوار؟ حصِّنها بالعدل، ونقِّ طُرُقها من الظلم.