«انتخابات المجالس البلدية في كل مناطق المملكة في يوم الخميس الرابع والعشرين من شهر شوال 1432ه الموافق للثاني والعشرين من شهر سبتمبر 2011م». جاء إعلان هذا الاستحقاق الانتخابي بعد أن تأخر نحو عامين، عن موعده المقرر، نتيجة لأسباب فنية ولوجستية يبدو أنَّها تعود كما قيل إلى الرغبة في إجراء المزيد من التحسين والتطوير على اللائحة المعمول بها لتنظيم سير انتخابات المجالس البلدية. ولا شكَّ أنَّ هذا الاستحقاق الانتخابي في نسخته الثانية يبرز مؤشرات واضحة لحرص الدولة على بناء خطوات متدرجة ومدروسة لتوسيع نطاق المشاركة المجتمعية في برامج ومهام العمل العام، وصناعة القرار. وفي تقديري أنَّ نجاعة هذه الخطوات الإصلاحية، والبناء عليها مستقبلاً، رهنٌ بدرجة وعي ومعرفة النَّاخب والمرشح معاً بأهمية آلية الانتخاب المباشر عبر صناديق الاقتراع، كقناة رئيسة ينبغي أن تكون مخرجاتها من الكفاءات والمهارات الوطنية القادرة على تقديم خدمات أفضل للوطن والمواطن. ومن ثمَّ فإنَّ المسؤولية الوطنية، ومتطلبات الانتماء، وقبل ذلك تعاليم الدِّين وقِيمه العالية تفرض على النَّاخب أن يعتمد في اختيار مرشحه، على معايير الكفاءة والمهارة والخبرة. ولا يخضع البتَّة لمؤثرات الانتماء القبلي أو المناطقي، أو مؤثرات القرابة والنسب. فحذارِ من الوقوع في براثن هذه المؤثرات السلبية، فإنها كفيلة بإفراغ هذه الممارسات الديمقراطية من أهدافها ومضامينها النبيلة. في الاتجاه نفسه تفرض المسؤولية الوطنية، ومتطلبات الانتماء، وقبل ذلك تعاليم الدِّين وقِيمه العالية على المرشح أن يضع نصب عينيه مصالح ناخبيه، ودائرته الانتخابية، والجدِّية في تنفيذ برنامجه الانتخابي. وألا يختلط ذلك بأيَّة مصالح ضيقة، وأهواء شخصية، من شأنها أن تفسد بدرجة عالية كل الآمال والطموحات المبنية على هذه العملية الانتخابية، ويُفقد الثقة والمصداقية بهذا المرشح أو ذاك. وإذا كانت مسؤولية الناخب والمرشح معتبرة ومهمة لنجاح الاستحقاق الانتخابي للمجالس البلدية، فإنَّ دعم الدولة أكثر أهمية وإلحاحاً لرفع كفاءة هذا الاستحقاق، وإضفاء مزيدٍ من الشفافية على ممارسة العمل العام. ولعلَّ من أبرز جوانب هذا الدعم المطلوب: العمل على منح المجالس البلدية صلاحيات أوسع في أدوار الرقابة والمحاسبة، وإعادة هيكلة أنظمتها ولوائحها التنفيذية، من أجل تعزيز ثقة المواطنين بأدائها، وتمكين أعضائها من تنفيذ برامجهم ووعودهم الانتخابية، وبما يخدم في المحصلة النهائية خطط تطوير الخدمات البلدية، والارتقاء بها. على أية حال، المسألة بُرُمِّتها رهنٌ بثقافة المجتمع وتركيبته الديموغرافية والسيكولوجية والاجتماعية، وإذا اصطلح المجتمع على منهجية وآلية انتخابية معينة، كأداة لتحقيق وتلبية احتياجاته التنموية والمعيشية والخدمية، فضلاً عن كفالة حقه في حرية إبداء الرأي والتعبير، فإنَّ من أبرز متطلبات نجاح هذا التَّوجه الديمقراطي العناية بالبيئة القانونية والتشريعية والرقابية التي تحفظ لهذه الممارسة عنفوانها وشفافيتها، بعيداً عن الصراعات، وتضارب المصالح والنفوذ. وبما سيقود حتماً إلى خطوات إصلاحية أخرى متقدمة على صعيد توسيع دائرة المشاركة المجتمعية لتشمل مستقبلاً انتخاب النصف الآخر من أعضاء المجالس البلدية، وإشراك المرأة في حق التصويت والترشيح (هناك لجنة تدرس حالياً مشاركة المرأة في انتخابات المجالس البلدية مستقبلاً)، وقد تصل رياح هذا الحراك إلى مجلس الشورى.