أكد معالي الشيخ قيس بن محمد آل مبارك عضو هيئة كبار العلماء أهميّة "فقه الاحتساب" بأن يفقه القائم بالحسبة الَمواطن التي يجب فيها الإنكار والَمواطن التي ينبغي فيها النصح والتوجيه من غير إنكار، إذ إن المحرمات درجات كما أن الواجبات درجات. من جانبه توقع المفكر الدكتور عبدالرحمن بن زيد الزنيدي أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن تواجه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة في المستقبل القريب جدًّا ما سمّاه تحدي وقوعها محل نظر المجتمعات الإسلامية الراغبة في تكريس هويتها الإسلامية بإنشاء هيئات للحسبة، معتبراً "الهيئة" السعودية النموذج الحصري الذي ستحاول هذه الدول استنساخه، مؤكداً أن هذه الدول تجاوزت الفردية إلى المؤسسية وستنشأ فيها مطالبات بإنشاء "هيئات" للحسبة إما حكومية أو أهلية. التركستاني: لابد من تنظيم الاحتساب الإلكتروني والإفادة من طاقات المتطوعين فيه جاء ذلك في حلقة نقاش بعنوان "الاستشراف المستقبلي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع المستجدات المعاصرة العقدية والفكرية والاجتماعية والإعلامية والتقنية" ضمن فعاليات مؤتمر "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمستجدات المعاصرة" الذي نظمه كرسي الأمير نايف لدراسات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالجامعة الإسلامية بالتعاون مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واختتم أعماله أمس الأول، وشارك فيها كل من معالي الشيخ الدكتور قيس آل مبارك عضو هيئة كبار العلماء، والمفكر الدكتور عبدالرحمن الزنيدي، والدكتور أحمد التركستاني الملحق الثقافي السعودي بلندن. وفي محور الاستشراف المستقبلي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع مستجدات المخالفات الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة وكيفية التغلب عليها وفق الضوابط الشرعية أشار آل مبارك إلى قول العلماء: كلما اتسعت دائرة العلم ضاقت دائرة الخلاف، وضاق الإنكار، وكلما اتسع علم الرجل قل إنكاره، وهذا واضح من سير الأئمة، حيث إن المسائل التي وقع فيها خلاف معتبر لا يجوز الإنكار فيها. ونبّه المبارك إلى ضرورة أن يكون أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر ضمن عمل جماعي استشاري، خاصة في القضايا التي لها تأثير على البنية الاجتماعية للمجتمع والعمل الجماعي أمر مندوب إليه في الشرع وصيغ العموم في القرآن كثيرة جداً. وفي محور المراد بالتحديات المستقبلية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلاقتها بدراسة علم المستقبل والتأصيل الشرعي لها وحاجة الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لذلك، عرض المفكر الدكتور عبدالرحمن بن زيد الزنيدي أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية جوانب من رؤيته المستقبلية للتحديات التي ستواجه جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمملكة، متوقّعاً أن يكون التحدي الأكبر الذي سيتضخم مستقبلاً ضد الحسبة إسلاميًّا وسعوديًّا هو موقع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي ينبغي أن يكون "تكريس الهوية الإسلامية على المستوى الجمعيّ للأمة". وشدّد الزنيدي على أن المجتمعات الإسلامية مهما وجد فيها من خير إلا أن كل عوامل الخيرية لا تُبرز هوية المجتمع المسلم كما تبرزها الحسبة، مؤكداً أن هذه الحقيقة يعيها كثير من المتذمرين من هويتهم الإسلامية الطامحين إلى تذويب الهوية، فهذه الشعيرة تمثل إزعاجاً لهم ولهذا يسعون لتحطيم رمزية هذه القيمة أو بنسخها بنقل سجلها من منطق تعبدي إلى منطق مدني ثم تكييفها وفق السجل الجديد.وتساءل الزنيدي: هل الوعي بهذه القضية متوافر لدى جهاز الهيئة؟ وهل تتضمن أفكاره وخططه المستقبلية تدبيرات محكمة تغالب أمواج العولمة الطاغية بجهد أصيل لا بردات أفعال، إذن إن مما يسر الحاقدين على الهيئة إرباكها بالردود الآنية. وتوقّع الزنيدي أن يكون من التحديات التي سيواجهها جهاز الهيئة في المستقبل القريب جدًّا ما سمّاه تحدي الأنموذج، أو تحدي "الأسوة"، حيث اعتبر أن المجتمعات المسلمة تتجه نحو تكريس هويتها الإسلامية وأبرز عناصر هذا التكريس على المستوى الجمعي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيا كانت التسمية التي تتخذها هذا الدول، ولأن الدول تجاوزت الجانب الفردي إلى المؤسسية فإن هذه القيمة ستبرز في تلك المجتمعات وستقوم لها مطالباتها، وستنشأ إما عبر هيئات رسمية أو أهلية، وهنا ستبحث عن نماذج مؤسسية نموذجية، وأول نموذج أو ربما النموذج الأوحد هو الهيئة في المجتمع السعودي، متسائلاً: هل الهيئة مؤهلة لتقديم أنموذج قد أحكمته التجربة وتكيف بالاعتدال الذي هو سمة المنهج السلفي؟ وهل ستقول الهيئة هذه هي تجربتنا بمنهجيتها وأنظمتها وأساليبها وواقعها الميدانية وآثارها الإيجابية؟ وهل ستجد الوفود والعناصر التي تأتي لاستقاء التجربة والتدريب ما يزودها بما تفتقده؟ وفي محور الاستشراف المستقبلي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع مستجدات المخالفات الإعلامية والتقنية المعاصرة، وكيفية التغلب عليها وفق المستجدات والضوابط الشرعية، قال الدكتور أحمد سيف الدين التركستاني الملحق الثقافي بسفارة المملكة بلندن إن الإعلام أصبح يتميّز بالتفاعلية بين الطرفين، والآنية والسرعة في نقل المعلومات، والفردية حيث صار الجمهور مفتّتاً إلى أفراد أو مجموعات صغيرة، إضافةً إلى تعقد شبكات الاتصال وعدم القدرة على ضبطها وهو ما قاد إلى تحكم أصحاب القوة والنفوذ من إغراء المجتمعات بالرسائل فأصبح العالم تبعاً لذلك يموج في الصراعات، وزيادة صعوبة تشكيل الأفراد والمجموعات على نسق واحد وقناعات موحدة عكس ما كان في الماضي لأن المصادر تنوعت وكثرت وصارت في اتجاهات متضاربة. وأضاف أن وسائل التواصل الاجتماعي يتوقع أن يزيد استخدامها في المجتمع السعودي، وحسب إحدى الدراسات فهناك 14 مليون مستخدم للإنترنت في المملكة، منهم 5,5 ملايين يستخدمون فيس بوك، ونصف مليون مستخدم نشط في تويتر، وتبعاً لذلك فإن المخالفات والمنكرات الإعلامية هي في امتداد وتوسع.وقال التركستاني إن الواقع يشهد بأن هناك جهوداً للهيئة تواجه هذه المنكرات لكن بشكل محدود وإمكانات متواضعة من خلال إدارات القضايا والإعلام بالهيئة ومن خلال عقد شراكات ومذكرات ما تزال في بدايتها مع جهات علمية تحاول رسم خطة لتلك الجهود، كما أن هناك جهوداً لمحتسبين متطوعين وما يسمى الاحتساب الإلكتروني والتقني من خلال حملات على الوسائل للتحذير من المخالفات والكشف عنها.. وشدد على ضرورة الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الوعي والتحذير من أي دخيل، مشيراً إلى أنه من العجيب وجود نشاط اجتماعي غير موجه من خلال رسائل تنتشر بشكل واسع للتحذير من المنكرات ولو درست ونظمت هذه الجهود لكانت أولى بقبول المجتمع.