هناك نزعة نحو المثالية عندما نستهدف الآخرين بالنقد ونزكي أنفسنا ونغض الطرف عن مثالبنا، وقديما قال المتنبي: وإذا أتَتْكَ مَذَمّتي من نَاقِصٍ فَهيَ الشّهادَةُ لي بأنّي كامِلُ وإذا كنا لا نوافق المتنبي على مسألة الكمال، فلكلّ منا عيوبه ونواقصه، فإن الشخص البين قصوره وتقصيره ليس أهلا أن ينتقد أداء الآخرين ناهيك عن شخوصهم. ويلاحظ أن عددا ممن يعاقرون نقد أداء الأجهزة الحكومية في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي هم من موظفي الدولة المناط بهم أداء خدمات عامة الله أعلم بحالها. فكم من مدرس يبعثر أمام تلاميذه عيوب مؤسسته حتى لاتجد تلك العقول الغضة حسنة واحدة لها، وكم من محاضر يستثمر محاضرته في تهييج مشاعر طلابه وشحن عقولهم بالأفكار السلبية لأن سعادته قد أحاط بكل مكامن القصور فصور نفسه أنه الوحيد النزيه في هذا البلد، وفي مشهدين كهذين يغيب عن المرسل والمتلقي أن للمتحدث مسؤوليةً ضيع الوقت في عدم تحقيقها، وهو والمخاطبون يتجاهلون حقيقة أنه يستثمر وقت المحاضرة أو الحصة في غير مراده، وبذلك يسهم شخصيا في قصور المؤسسة المقدمة للخدمة فهو بذلك أول الملامين. ويشدّ بعض "النجوم" الرحال من منبر إلى آخر في الداخل وفي الخارج يكيلون التهم للتقصير الإداري ويعقدون المقارنات وهم في الأساس مقصرون لأنهم تركوا أعمالهم الأساسية وسعوا خلف الظهور على حساب إجادة ما استعملوا له. ومع ذلك فلا هم يريدون ان يتذكروا، ولا أحد يذكرهم بأن جزءا من قصور المؤسسات التي يشنعون بها سببه هم؛ لأنهم غير ملتزمين بأعمالهم، ومثل ذلك فرق المناصحة التي تجوب البلاد تطرق ابواب المسؤولين، ولا أحد ينصحهم بأنهم قد تركوا خلفهم مساجد بدون أئمة، وفصولا بدون مدرسين، وقاعات بدون محاضرين ومكاتب بدون موظفين، أليس الأولى أداء ما أوكل إليهم من أعمال بما يرضي الله وترك الاحتساب لمن أوكلت له الدولة ذلك؟ ومع افتراض حسن الظن في هؤلاء الإخوة، ولكني أزعم أنهم مثل من يقوم الليل فإذا أدركته صلاة الفجر نام عنها، ولذلك فالاهتمام بالفروض أولى من النوافل. دولة الإمارات العربية المتحدة وضعت نظاما صارما لمن يستخدم وسائل التواصل الجماهيرية لتهديد أمن الدولة، وسموا الأمور بمسمياتها، ونحن منذ عام 2005م صدر عن مجلس الوزراء نظام يجرم من ينتقد أداء الحكومة وهو موظف فيها أو يشارك في الشكاوى الجماعية، والغرض من ذلك والله أعلم أن الموظف عليه أن يعمل وأن يجود الأداء وأن يصلح من حاله إذ لو أصلح كلّ منا حاله لصلحت المدينة. الإماراتيون جادون في تطبيق النظام، ونحن منذ ذلك الحين مازلنا نتردد، وكثير ممن يسيء لأجهزة الدولة موظفون فيها. نقاشي للموضوع اليوم ليس لتكميم الأفواه أو فرملة عجلة الإصلاح ولكنه تأكيد على أنك لن تستطيع إصلاح المجتمع إذا لم تصلح نفسك. وإصلاح النفس ليس سهلاً، ويتطلب عناء ودأباً، وليس هناك شخص مثالي في هذا الكون لا المنتقدون ولا منتقدوهم، ولكن المحاولة تتلوها المحاولة وعدم القفز على الحقائق سوف يساعد كثيرا في تحقيق مراد الإصلاح. ويتداول المهتمون بالتغيير قصة رجل بلغ من العمر عتياً قال: "كنت أريد تغيير العالم بينما كان عمري 20سنة، وقد وجدت أنه من الصعب تغيير العالم، لذلك حاولت جاهداً أن أقوم بتغيير بلادي بينما كان عمري 40 سنة، وعندما وجدت استحالة ذلك حاولت بكل ما أوتيت من قوة أن أغير مدينتي وقد بلغ عمري 60 سنة، فوجدت أن هذا كذلك صعب. وبينما كان عمري 80 سنة حاولت أن أغير عائلتي، والآن وبعد أن أصبحت رجلاً كبيرا.. أدركت أن الشيء الوحيد الذي كان يمكنني أن أغيره هو "أنا"، إذ لو كنت قد فعلت ذلك بالماضي .. لاستطعت أن أغير عائلتي ومن بعدها مدينتي ومن ثم بلادي ... وأخيرا العالم". وصدق الله العظيم القائل "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".