هل لكم أن تتخيلوا دواءً يساعد على بناء العظام وتقوية الجهاز المناعي، ويقي من أمراض خطيرة كالداء السكري وارتفاع الضغط الشرياني وأمراض القلب والأوعية والكلى وكذلك السرطان؟ يعتقد بعض الباحثين أن الفيتامين (د) قد يكون مرشحاً للعب دور هذا الدواء السحري الذي يقي من الأمراض المذكورة مستندين إلى بعض الدراسات الأولية التي بينت أن نقص هذا الفيتامين يترافق مع أمراض خطيرة متعددة، فهل يؤدي إعطاؤه لعامة الناس للوقاية منها ؟ يتواجد الفيتامين (د) بشكل طبيعي في الأسماك الدسمة والبيض، كمايستطيع جلد الإنسان أن يصنعه عندما يتعرض لأشعة الشمس، ولا بد أن يتم تفعيله بعد ذلك عن طريق الكبد فالكلية كي يستطيع بعدها أن يقوم بوظائفه المتعددة. فإذا حدث خلل في عملية التصنيع هذه أو الامتصاص أو التفعيل فإن ذلك يؤدي إلى نقصه عن الحد المطلوب أو ما يسمى ب (عوز الفيتامين د) الذي يسبب مشاكل صحية مختلفة كلين العظام وضعف العضلات. مما لا شك فيه أن دور الفيتامين (د) يتعدى حدود بناء العظام وتقوية العضلات، فمستقبلات هذا الفيتامين (أو الهرمون) تتواجد في معظم خلايا الجسم المتوزعة على أعضائه المختلفة، لذا فإن عوز الفيتامين (د) الشديد قد يترافق مع زيادة احتمال حدوث بعض أنواع السرطان (وخاصة في القولون والمستقيم)، وكذلك بعض الأمراض المناعية كالتصلب اللويحي والداء السكري (وخصوصاً النمط الأول منه)، وبعض الأمراض الإنتانية المعدية والتحسسية. إلا أن وجود هذه المشاكل الصحية المختلفة المترافقة مع نقص الفيتامين (د) لا يعني بالضرورة أنه هو السبب المباشر لها، وبالتالي فإن تناول الفيتامين (د) بشكل روتيني لن يقي بالضرورة من هذه الأمراض، فقد فشلت معظم الدراسات العلمية الحديثة الرصينة في إثبات أن تناول هذا الفيتامين يقي من السرطان أو أمراض القلب والأوعية أو الأمراض الإنتانية لذا لا ينصح باستخدامه بشكل روتيني عند الأشخاص العاديين بهدف الوقاية من هذه الأمراض . و من الجدير بالذكر أن المنظمات الطبية العالمية لا تنصح بإجراء فحص مستوى الفيتامين (د) بالدم عند عامة الناس، وإنما ينصح بقياسه عند الأشخاص الذين يتوقع أن يكون لديهم نقص فيه كالأشخاص البدينين وذوي البشرة الداكنة والنساء الحوامل والمرضعات وبعض المرضى الذين يعانون من مشاكل سوء الامتصاص (كالداء الزلاقي)، والأشخاص الذين لا يتعرضون لأشعة الشمس (وخاصةً المسنين) وكذلك المرضى الذين يستخدمون أدوية الصرع والكورتيزون، ولا بد من إعطاء الفيتامين (د) لهؤلاء المرضى بهدف تعويضه ومنع الاختلاطات الناجمة عن عوزه، كما ينصح بإعطائه للنساء بعد سن انقطاع الطمث بهدف الوقاية من هشاشة العظام وتقليل خطر التعثر والسقوط. علينا أن ننوه هنا أن الفيتامين (د) يعتبر من الفيتامينات المنحلة بالدسم، التي لايستطيع الجسم طرحها بسهولة فيتراكم الزائد منها مؤدياً لما يسمى بالتسمم بالفيتامين (د) الذي ينجم عن زيادة نسبة الكالسيوم في الدم وهذا يؤدي بدوره إلى أعراض عديدة منها التخليط الذهني ونقص الشهية والإقياء والعطش وكثرة التبول والوهن العضلي، كما قد يسبب أذية دماغية دائمة لدى الأطفال، لذا لا ننصح باستخدامه إلا باستشارة الطبيب المختص الخبير بالمقادير الملائمة لكل مريض حسب حالته. نخلص مما سبق أن الفيتامين (د) متعدد الوظائف ويترافق نقصه مع العديد من الأمراض، فلابد من تعويض هذا النقص عند من يحتاج إليه، وبالمقابل لا ينصح بإعطائه للأشخاص الطبيعيين الذين يكون مستواه طبيعياً عندهم لأن دوره في الوقاية من العديد من الأمراض لم يثبت علمياً حتى الآن كما أن أخذه جزافاً قد يكون ضاراً، ونؤكد في هذا السياق على الحرص على التغذية الجيدة الصحية وتناول الأسماك بمعدل مرتين في الأسبوع والتعرض لأشعة الشمس بصورة منتظمة للحفاظ على مستوىً جيد لهذا الفيتامين في جسمك. * قسم طب العائلة