تتمكن شخصية "مصريانو" في الكتاب الذي أنجزه المصور الإيطالي والذي كتبه باللهجة المصرية كارمينه كارتولانو من أن تكون قناعاً اجتماعياً بارعاً يتوسل "لعبة الدهشة" مثلما كان يستخدم بعض الناس الجنون والحمق والغفلة للإيهام والتكسب بهما للعيش. تتوفر ل"مصريانو" تجربة الحواس والثقافة الأخرى. ليرى ما لا يرى. ويدون حياة عاشها هنا. ربما غداً يكون "سوريانو أو ليبيانو أو كويتانو". ربما لن يكون إلا "مصريانو"!. سأقول هنا بأن كتاب"مصريانو: يوميات مصور إيطالي" لكارمينيه كارتولانو يضع "سردية الخواجة" بوصفها نصاً متوحداً غير مرتبط بشبيه على مستوى البناء والمضمون، غير أنه يدفع بالكتابة عبر عينه كمصور ومترجم تعلم وعاش وتمصر بين عامي 1999-2012 وإنما ظل يعيش ويعايش القاهرة حاضرة مدنية، ويوازيه ما قدمه الهولندي مارسيل كوربرشوك الذي تجول عام 1988 في نطاق جغرافي تواجدت به قبيلة عتيبة وشمر والدواسر حيث ذهب إلى بداوة القرن العشرين لا الحضر ومدنهم، واكتشف أمكنة امرئ القيس، وعرف الشاعر الدندان أو عبدالله بن محمد حميم الرجباني(1916-1997)ووضع وصفاً لمجتمع نجد البدوي، حيث أفادته تلك الرحلات المتكررة وتمكنه من اللغة العربية من مصادقة الدندان، ومحاولة قراءة مفاهيم وقيم هذه البداوة، المرتبطة بالقرن العشرين،حول الموقف من المرأة، والتمييز العنصري بين القبائل النبيلة والمنبوذة، والنظرة إلى الآخر المسيحي، وحروب القبائل، وفتنة اقتناء الخيل والإبل، ومفاخرات القبائل بين بعضها، والمسكوت عنه والمهمش على أطراف مجتمعات المدينة في البادية. وقصر كوربرشوك مجال رحلته عن التجول في المدن كالرياض وجدة والخبر نحو الصحارى في نجد وحائل ووادي الدواسر ليلتقي الفرسان والشاوية (الرعاة) والصناع والصيادين بينما كارتولانو لم يسع إلى بدو سيناء أو سيوة بل مدينة القاهرة ومعالمها من الشوارع والمقاهي والمدارس والعمارات وأهلها من سائق التاكسي وطباخ الفندق والتلميذ سعيد والحاج رضوان (مسؤول نظافة العمارة) ومدلك الرياضيين ومدرب الرياضة. كارتولانو اكتشف القاهرة وكوربرشوك ظل يهجس بالصحراء. مات البدوي الأخير أو الدندان ولكن خلق كارتولانو شخصية"مصريانو"!.