يتضايق الناس من وجود شاحنات مختلفة الأشكال ومتعددة الأحجام والأغراض تجوب الطرقات الداخلية وتمر على الأحياء السكنية وتسد الشوارع في المدن؛ لأنها تضاعف الزحام وتجلب معها كتلا ضخمة من الدخان الذي يلوث الهواء. وفي مدينة الرياض هناك تنظيم يحدد أوقات مرور الشاحنات في الطرقات، لكن هناك عدداً من هذه الشاحنات لاتلتزم بالتنظيم فتجدها داخل الأحياء في مختلف الأوقات. إن الشاحنة التي كانت تقل صهريجًا ممتلئًا بالغاز يوم الخميس الماضي وتسببت في حادث مرير راح ضحيته مايقارب من اثنتين وعشرين نفسًا وعدد كبير من المصابين مثال عملي للفوضى التي تعم شوارعنا في أماكن وأوقات مختلفة. ونأمل أن يكون هذا الحادث بمثابة نذير لإيجاد علاج جذري لهذه المشكلة للحدّ من الحوادث المدمرة التي تتسبب بها هذه الشاحنات وبقية السيارات التي تحمل مواد خطرة على البيئة. إن الحل الجزئي لهذه المشكلة يبدأ بتحديد أوقات زمنية متأخرة من الليل لحركة الشاحنات، وتحديد شوارع معينة تكون خارج العمران للمرور فيها. ولكن الحل الشمولي يكمن في النظر في جدوى مرور هذه الشاحنات واستخداماتها داخل المدن. إن الشاحنات الضخمة التي تحمل صهاريج فيها مواد كيميائية أو بترولية خطرة يجب ألا تمر داخل المدن وقريبًا من الأحياء السكنية. وإذا كانت مدينة الرياض قد تمددت -ولله الحمد- في كل الاتجاهات، وكانت المدن الصناعية نائية في فترة إنشائها ثم صارت الآن قريبة من المدينة والأحياء السكنية؛ فإن الوضع الحالي يتطلب إعادة النظر في نقل المدن الصناعية الأولى والثانية إلى منطقة بعيدة عن الرياض، واستثمار هذا المكان في منشآت أقل خطورة على البيئة والمجتمع. وهناك مصانع كثيرة داخل المدينة وعلى أطرافها تطلق أدخنة ومواد ضارة على البيئة وعلى الحياة، والوصول إليها ونقل موادها يكون بواسطة هذا النوع من الشاحنات. ومن المهم أن نعطي الجوانب الصحية أهمية قصوى في الحفاظ على البيئة من التلوث بكافة أشكاله ومنه التلوث الهوائي الذي يتسبب في أمراض وأوبئة كثيرة للناس وللحيوان وللطبقة النباتية. إن الحفاظ على البيئة هو حفاظ على الثروة البشرية والمادية معًا. وينبغي أن تسن القوانين الصارمة للحد من أي تصرف يضر بالبيئة، لأنه يمثل اعتداء على الإنسان بإلحاق الضرر به بشكل غير مباشر. ولعله من المناسب إنذار أصحاب المصانع للخروج من مواقعهم داخل المدن خلال مهلة معقولة، وعدم تجديد أي ترخيص لايلتزم بشروط السلامة وحماية البيئة. ويطبق الأمر على السيارات والشاحنات التي تطلق عادماتها أدخنة كثيفة ضارة، بحيث تمنع من المرور داخل المدن، والتقليل من السيارات التي تعمل بالديزل أو السيارات القديمة لتقليل أضرارها البيئية. ومن جوانب التنظيم للشاحنات أن يقتصر نقل البضائع والمواد غير الخطرة داخل المدن على شاحنات ذات مقاس صغير ومتوسط، ولايسمح للشاحنات الكبيرة الدخول للمدن. ومن المناسب أن تكون هناك محطات تقف فيها هذه الشاحنات الكبيرة لنقل حمولتها إلى شاحنات صغيرة لإيصال المواد إلى المدينة. وبالنسبة للشوارع العامة، فقد يكون من المناسب دراسة فكرة تخصيص مسار معين للشاحنات. ولعل إعادة تخطيط مسارات الطرق وإعداد هندسة جديدة لشبكة الطرق العامة في مدينة الرياض من الأفكار التي ستنهض بها أمانة الرياض لمواجهة الكم الهائل من المواصلات والمساعدة في تخفيف حمى الزحام التي تعصف بالناس من سنوات. والله الموفق.