أنا هنا لا أقصد الشاعر العربي الكبير «أبو العلاء المعري» الذي كان رهيناً للعمى والبيت بل أقصد الموظف السعودي الذي بمجرد أن يُحال إلى التقاعد فإنه يتحوّل في الأغلب أسيراً لجدران البيت ورهيناً للتقاعد والبيت فيمكث طوال الوقت فيه ولايخرج منه إلا ربما للذهاب للمسجد أو للمستشفى أو لزيارة أحد الأقارب والأصدقاء بين وقتٍ وآخر مما يترتب على بقائه الدائم في البيت إشكاليات عديدة أبرزها تصادمه المستمر مع زوجته وأبنائه وافتعاله للمشكلات بمناسبة أو من دون مناسبة وهبوط حالته النفسيّة وتعكّر مزاجه الشخصي وسرعة الغضب لديه لأتفه الأسباب لشعوره وإحساسه الدائم بالملل والتضجر من جراء الروتين اليومي القاتل الذي لا يتغير مما قد يعرضه للاكتئاب والقلق وغيرها من الأمراض النفسيّة، وكل ذلك يرجع إلى افتقادنا لأماكن خاصة ومهيأة بالمتقاعدين يذهب إليها المتقاعد يومياً ليقضي فيها وقت فراغه الطويل ومن ثم يعود لاحقاً إلى بيته سعيداً مسروراً. والحل بسيط وسهل ولايحتاج إلى ذكاء خارق ويكون بقيام «جمعية المتقاعدين» وهي الجهة المسؤولة عن المتقاعدين في المملكة بافتتاح أندية خاصة بالمتقاعدين في كافة مدن المملكة ويكون الالتحاق بهذه الأندية «مجانيا» لأننا بلد غني ونملك أموالا وفيرة ولأن هنالك جزءا كبيرا من المتقاعدين رواتبهم الشهرية ضعيفة وبالكاد تكفيهم وتسّد حاجتهم فلذا أرى أن يكون الالتحاق دون دفع أي مبالغ مالية ولو كانت بسيطة. المهم أن تبدأ جمعية المتقاعدين من الآن في إنشاء أندية خاصة بالمتقاعدين تستقبل المتقاعدين من الصباح وحتى المساء يومياً ولتبدأ الجمعية في بناء هذه الأندية بالمدن الرئيسية والمدن المُكتظة بالسكان ومن ثم تُعمم التجربة على بقية المدن حتى يجد المتقاعد مكانا يذهب إليه ليجتمع مع نظرائه المتقاعدين الآخرين ويتبادل معهم الأحاديث الودّية ويمارس المشي والسباحة والقراءة أو أي نشاط آخر ويؤدي الصّلوات المفروضة في مصلى النادي ثم يعود إلى بيته بروح جديدة ونفس جديدة. وكما أن الجلوس الطويل في البيت يسبب للمتقاعد وغير المتقاعد العديد من المشكلات النفسية ، فإن افتتاح مثل هذه الأندية لها مكاسب كثيرة منها أنه سيجعل المتقاعدين يشعرون بالسعادة الغامرة لأنهم سيكسرون الروتين اليومي الذي سئموا منه منذ أن أُحيلوا للتقاعد، كما أنه سيُسهم في تحسّن الروح المعنوية للمتقاعدين مما ينعكس بشكل إيجابي على تعامله مع أُسرته فتقلّ المشاكل والنزاعات والخلافات الأسرية بنسبة كبيرة لأن المتقاعد سيمكث عندئذٍ في النادي ساعات طويلة ثم يرجع إلى بيته فلا يبقى لديه عندئذٍ وقت متسع للخلاف أو الشجار. كما أن افتتاح مثل هذه الأندية يعتبر بمثابة رد جميل «بسيط» للخدمات الجليلة والتضحيات الكبيرة التي قدمها المتقاعدون للوطن طوال ثلاثين وأربعين عاماً حيث أفنوا أعمارهم وضحوا بصحتهم من أجل الوطن حتى انحنت ظهورهم ورقّ عظمهم وشاب شعرهم.. فهل تستجيب جمعية المتقاعدين لهذا الإقتراح؟