يقول المثل حدّث العاقل بما لا يليق فإن صدق فلا عقل له. كثرة تداول هذا المثل أفقدته معناه ودلالته. لكن افضل مكان وأفضل مناسبة للتعبير عن هذا المثل هو ما تردد قبل فترة أن الخطوط السعودية قدمت لحم خنزير على طائراتها. أي عمل سيئ في أي مؤسسة مهما كان شأنها يمكن التنبؤ بمبرره. ربما يكون الجهل او المصلحة أو الفساد أو الحرب الخفية. يمكن أن نتهم الخطوط السعودية بالتأخير في مواعيد رحلاتها يمكن القول إن الإدارة سيئة أو هناك مبالغة في العقود ويمكن أيضا أن نشنع على الخطوط السعودية بعدم توظيف السعوديين أو أن خدماتها لا ترقى لمستوى منافسيها وغير ذلك من الاقاويل (والحقائق) التي تتسق مع الواقع ومع الأخلاق الإدارية السائدة. اتهامات لا حصر لها يمكن قبولها والتعامل معها. الشرط الوحيد ان يتسق الاتهام مع الواقع ومع العقل. ما الذي يدفع الخطوط السعودية أو أي موظف فيها لتقديم وجبات تحتوي على لحم خنزير على متن رحلاتها؟ ما مصلحة إدارة الخطوط السعودية أن تقدم هذا النوع من الطعام وما الذي يمكن ان يجنيه أي من موظفي السعودية من مثل هذا التصرف؟! لا يوجد مسلم مهما تمادى في سوئه أو رداءة اخلاقه أو طمعه أن يجرؤ على تقديم لحم خنزير لعملاء جلهم مسلمون، الخطوط السعودية تمثل في جانب كبير منها البعد الإسلامي مقارنة بكل الناقلين الجويين في العالم. وهي كما نعلم أكبر ناقل للحجاج في العالم أي انها تمارس دورا دينيا إلى جانب الدور الاقتصادي. وبقدر ما أعجز عن التعبير عن استيائي من هذا الاتهام أعجز عن الفهم. أي اتهام على هذا المستوى من الانحطاط يقوم على سوء نية ومحاولة للنيل من كرامة العاملين أو انه عبث صبياني لا يجوز التسامح معه او ان هناك جهة اجنبية تقف وراءه. يتوجب علينا دائما عند سماع الاتهامات أن نتأمل في محتوياتها ونميز فيها بين كرامة الإنسان وبين فشله أو سوء إدارته أو حتى فساده المالي أو أي اتهام آخر يتعلق بأخلاقيات العمل. الإنسان يخلص لمصالحه وربما يضحي بكثير من القيم السائدة ولكنه لا ينحدر إلى الغدر المجاني. لايمكن ان تصادف إنسانا يغش للغش او يقتل للقتل او يغدر للغدر ذاته. يتوجب على الإخوة في الخطوط السعودية وضع خطة لملاحقة وكشف من يقف وراء هذه الإشاعة الغبية المغرضة. ليس من الحكمة وليس من مصلحة البلاد ان تكتفي إدارة الخطوط السعودية بمجرد نفي الحادثة (لأن الحادثة تنفي نفسها) لكن عليها أن تطلب من الجهات المختصة كوزارة الداخلية العمل بكل جدية على إحضار مؤسس هذه الإشاعة وتقديمه للقضاء وملاحقة كل من اسهم في الترويج لها. لا يترك أمر كهذا ابدا. وسائل الإعلام الاجتماعية تسهل إطلاق الإشاعات وتوسيع دائرة متلقفيها، يساعد على ذلك مع الاسف ميل الناس إلى تداول الغرائب والشاذ من الأخبار. مؤسس هذه الإشاعة واضح الرغبة(إذا لم يثبت أنه معتوه) في تدنيس سمعة الخطوط السعودية على مستوى العالم الإسلامي وسمعة المملكة العربية السعودية أيضا. يجب علينا كمواطنين ألا ننساق وراء مثل هذه الإشاعات مهما كانت درجة استيائنا أو غضبنا على المؤسسة الوطنية المستهدفة.