في بيروت - العاصمة اللبنانية - الأكثر حريات في العالم العربي بما فيها حرية القتل والإلغاء الجسدي، عايشت اغتيالات كثيرة، وشهدت أحداثها وتداعياتها عن قرب بحكم إقامتي في بيروت صحافياً في جريدة الرياض، شهدت الزلزال الكبير الذي هز العاصمة الأنيقة في الساعة الثانية عشرة وخمس وخمسين دقيقة من ظهر يوم 14 أكتوبر 2005، وأودى بحياة الرئيس الشهيد رفيق الحريري أمام فندق سانت جورج بعين المريسه، وبعدها توالت الاغتيالات من محاولة اغتيال الصحافية الجريئة جداً، والحاضرة في تكريس مفاهيم الحرية، والعدالة، والاستقلال، مي شدياق، حتى اغتيال الصحافي والمبدع والأستاذ الجامعي سمير قصير، وجبران تويني، وجورج حاوي، والنائب بيار الجميل، والنائب أنطوان غانم، والنائب وليد عيدو، واللواء فرانسوا الحاج مدير العمليات في الجيش اللبناني، وأحد أبرز العقول في المؤسسة العسكرية، والنقيب وسام عيد أهم شخص استطاع أن يفك "شيفرة" الاتصالات الهاتفية ويدعم التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس الحريري ويصل إلى نتائج مبهرة قادت التحقيق إلى بعض المشتبه بهم، إلى محاولة اغتيال إلياس المر وزير الدفاع حينها، وقبل كل هؤلاء محاولة اغتيال النائب والمثقف وأحد أعمدة جريدة النهار مروان حمادة. شهدت كل هذه الأحداث، ووقفت على أمكنتها، ورأيت بشاعة الفعل الإجرامي، وقرأت كيف يتحول الإنسان الآمر والمخطط والمنفذ والمتواطئ، ومن يعرف ويبدو عارفا، ومن يسكت وهو يعرف عن الفعل إما قبل الحدث أو بعده، ومن يسهّل ومن يعد المسرح لإنجاح الجريمة، إلى كائن مجرد من كل معاني الإنسانية فيتعامل مع الآخرين بوحشية فتاكة فيها الحقد والكراهية والصديد ينزّ من القلب والتعاطي مع كل من يختلف معه في الرأي أو التوجه أو المفاهيم أو الممارسة أو الوعي أو الثقافة على أنه كائن يجب أن تصادر حياته، ويلغى وجوده، وليكن ذلك بأبشع الوسائل، وأشدها ترويعاً للناس، وفتكاً بالأبرياء الذين تصطادهم المواد المتفجرة من حيث لا يتوقعون، فتزرع الحزن واللوعة والتفتت والأوجاع داخل أسر تعشق الحياة، وتستقبل الأيام بالأمل والفرح والقناعة والتصالح والحب. عايشت في بيروت كل هذه الأحداث من القتل المجاني، والإرهاب المخابراتي المنظم، والإصرار من النظام السوري والحلفاء في لبنان على أن تظل الساحة اللبنانية مشتعلة قلقة مرعوبة خائفة فاقدة لكل معاني الحياة والإنتاج والتصالح بين مكوناتها وأطيافها، وأن يكون اقتصادها في أسوأ حالاته، وسياستها ملتبسة ليس عندها قرار واضح وصريح، وتأتي مصلحة لبنان في توجهاتها في أدنى درجات الاهتمام، على أن يظل هذا الفضاء الاجتماعي والجغرافي والفكري والسياسي في خدمة المشروع الإيراني السوري، وأن تسود الكلمة لجندي الولي الفقيه في لبنان ليتحكم في البلاد والعباد وينفذ التوجهات التي تخدم المشروع، ويلغي لبنان الثقافة والتنوير والحداثة والكلمة. ويبدو أن العقل الإجرامي النتن والمتوحش لم يتوقف ولن يتوقف عن ممارسة الإرهاب وتصديره إلى لبنان، فهو عاجز تمام العجز عن إنتاج التنمية وإحلال الوعي بدلاً عن التخلف والجهل، فكان فصل اغتيال العقل الأمني اللواء وسام الحسن الذي ربما يعيد لبنان إلى العام 75 وبداية الحرب الأهلية، وهذا مخيف ومرعب. قابيل ماذا فعلت بأخيك..؟