لم يكن الدجاج في موائدنا السعوديين حاضراً. كان المجد للحوم الحمراء، إن وجدت. وقبل أن تغتني الجيوب وتمتلئ البيوت بالخيرات، كان الأسودان: التمر والماء هما المسيطران على المائدة، وفي حال وجود بقرة قريبة أو مملوكة يمكن للأسرة أن ترطب أكبادها بشيء من حليبها. بقي الدجاج خارج المائدة مدة طويلة، مثله مثل الأرز الذي لم يكن حليفاً للمائدة السعودية، فهو لا يزرع في أرضنا. معظم الأكلات لدينا تتكون من البر وبعض الحبوب. جبن الصحراء هو "الإقط" والجوع كان أقرب إلى الأفواه من أرنبة الأنف. والأجداد يحدثوننا عن الجوع من قبل حين كانت التمرة تؤكل على دفعات من شدة شظف العيش. كان الأجداد إلى وقت قريب يمشون سيراً على الأقدام للتجارة بين الدول، وهذه معلومة قد يقرؤها الجيل الحالي على أنها مزحة، غير أن بعض أولئك الكبار التجار المسافرون على أقدامهم مازالوا على قيد الحياة أمد الله بأعمارهم، ومن بينهم جدي الذي كان من بين تجار "العقيلات"، وسافر من بريدة لبغداد ماشياً غير مرة. لا يتخيل الجيل الحالي أن هناك نماذج كافحت من أجل أن تجد الدرهم والريال، من أجل أن تسد الرمق، من أجل أن تبني الحياة. الجيل الحديث تجاوز تاريخه في كثير من الأحيان. حين نقرأ علاقاتنا بالأشياء من حولنا نجدها طارئة وغير أصلية وغير أساسية، وهذا يعود إلى التعوّد حد الملل من أنواع محددة في الأكل والشرب والجدول اليومي العادي. أنا ضد أي رفع للأسعار وهذه المقالة ليست لتبريرها، لكنني أناقش تاريخ علاقتنا بالأمور التي نغضب لغلائها. الأرز الدجاج... إلخ. وما شاء الله علينا كل حملاتنا مرتبطة ببطوننا أدام الله صحتنا وآخرها حملة "خلوها تعفن". كنا نسير وقال لي صاحبي بعد أن شاهد الإعلانات في شوارع الرياض كلها حول البقوليات والأجبان والألبان والبيتزا والأرز: هل التجار يتعاملون معنا على أننا قوارض؟! أين هي إعلانات الجامعات؟ أو المسرحيات؟ أو حتى النزه والمباريات والفعاليات؟! أليس لدى المعلنين أمور أخرى غير هذه الإعلانات المبالغ فيها؟! بآخر السطر؛ فإن الدجاج جاءنا مع الحداثة، وإلا كان من يقدم لضيوفه الدجاج يكون موضع استهزاء ونقد بل ويسمى "أبو الدجاج" غير أن "بنت المؤذن" أخذت وهجها وها هي تصبح محل حروب بين المجتمع والتجار والوزارات، حتى لكأنها "بنت الإمام"، ولله في خلقه شؤون!