أوضح عضو الجمعية السعودية للغدد الصم والاستقلاب رئيس لجنة أنشطة التثقيف والدعم الصحي بمستشفى الملك عبدالعزيز الجامعي- كلية الطب - جامعة الملك سعود د. محمد ياسر الحلو أن من الشائع والمألوف، أن تشهد أعيادنا ألواناً كثيرة ومتعددة من الأطعمة التي قد لا نصادفها في الأيام العادية من السنة، غير أن عيد الفطر أو عيد الحج ، يتميز عن غيره من الأعياد، بالمبالغة الشديدة في محتويات موائد الطعام من السكريات والبروتينات والدسم، وخصوصاً الحلويات المصنعة والحاوية على نسب عالية من السمن الحيواني والمهدرج النباتي. وقال د. الحلو: إذا كان الإفراط في تناول هذه المواد والاطعمة يشكل خطورة كبيرة وصامتة بالنسبة للأشخاص العاديين، فإنها تحمل خطورة صارخة أكثر بكثير بالنسبة لمرضى السكري، فالسكريات المركزة في الحلويات المقدمة في الضيافة، والتي يضطر مريض السكري إلى تناولها تحت وطأة إلحاح المضيف وقوة الإغراء، تسبب له ارتفاعاً سريعاً لسكر دمه خلال بضع دقائق، وفقدان السيطرة على مستويات سكر دمه لأيام متتالية، وما من مريض بالسكري إلا ويعاني من هذه العواقب خلال أيام العيد، ويصبح أمام خيارين: إما الاستسلام أمام المغريات والسلوكيات الاجتماعية التي ظاهرها الكرم ومظهرها التعبير عن الفرح بواسطة فرط تناول الطعام وحقيقتها الخطورة الكبيرة على الصحة، وإما الاعتزال عن الناس والشعور بالوحدة والاكتئاب.. الإقلال من تناول الحلويات المصنعة وبين ان كلتا النتيجتين غير مرغوب بها، أما ما يتعلق بالإفراط في تناول اللحوم والبروتينات، فقد ساد الاعتقاد أن البروتينات لا ترفع سكر الدم لأنها لا تحتوي على مواد سكرية أو نشوية، وهذا صحيح إلى حد معين، إلا أن ارتفاع تركيز الحموض الأمينية البروتينية في مصل الدم الناتج عن تناول اللحوم بكثرة، سوف يؤثر في الأيام التالية على قدرة الكبد على اختزان سكر الدم في نسيجه على شكل غليكوجين، وبالتالي يبقى سكر الغلوكوز متراكما في مصل الدم ومتظاهراً بارتفاع مستمر غير واضح السبب. واضاف إذا تأملنا في الخطر الأكبر، أي الدهون الحيوانية والأسمان التي تدخل في صنع الطعام والحلويات بتراكيز عالية، فإن تأثيرها في رفع مستويات شحوم الدم الثلاثية والكوليسترول الضار في الدم وما يحمله هذا الأمر من خطورة على القلب والأوعية الدموية صار معروفاً للجميع، ولكننا نكشف عن سيئة أخرى لهذا الموضوع، أن هذا الارتفاع في الكوليسترول وشحوم الدم سيسبب في زيادة ظاهرة (المقاومة على الإنسولين)، فتزداد حاجة الجسم للإنسولين، ما ينتج عنه ارتفاع إضافي لسكر الدم وعدم استجابة هذا الارتفاع للجرعات اليومية التقليدية من الدواء الخافض لسكر الدم الذي وصفه الطبيب، وتستمر هذه الظاهرة المبهمة بالنسبة للمريض أياما طويلة تتصف بالشعور بالتعب والإنهاك وارتفاع سكر الدم. ولا نريد للمصاب بالسكري أن ينعزل عن الناس، ومن حقه أن يشارك الآخرين بالأعياد والمناسبات السعيدة، وعليه أن يكون فاعلاً ضمن أسرته وأصدقائه والوسط الاجتماعي المحيط به، على أن يقوم بدوره في توجيه الآخرين إلى اتباع النظام الصحي الغذائي المتوازن. ممارسة رياضة المشي وأوضح د. الحلو أن التعبير عن الفرح لا يكون بفرط تناول الطعام، وبالمقابل يمكنه سؤال طبيبه كيف يمكنه المشاركة في تناول الأصناف المختلفة من الأطعمة مع المحافظة على سكر دمه وشحومه ضمن الحدود المقبولة؟ ونعتقد أنه من الأسلم دوماً أن يقوم المصاب بالسكري بالمشي نصف ساعة على الأقل مرتين يومياً، صباحاً عند القيام بالزيارات الصباحية للأهل والأقارب، خصوصاً إذا ما اضطر إلى تناول بعض الحلويات مكرهاً على ذلك، أو على الأقل استعمال الدرج بدلاً من المصعد، أو المشي بدل ركوب السيارة، ومساءً بعد تناول وجبة العشاء وتوديع آخر زائر. ولا تتخلَّ أبداً عن جهاز مراقبة سكر الدم في تنقلاتك من بيت إلى بيت، فمثلما هو مفيد في كشف ارتفاع سكر الدم، فإنه أيضاً ضروري للكشف عن هبوط سكر الدم دون أن تصل إلى الحرج بين الأصدقاء، ولا بأس من أن تكون الزيارات مختصرة وغير مطولة، بحيث لا تسمح للمضيف بأن يبالغ في كرم الضيافة. وإذا ما توجهنا إلى مضيفنا المحب الكريم، فإننا نأمل منه ألا يلح كثيراً على ضيفه بتناول الطعام وشرب العصائر السكرية، بل دعه يختار ما يراه مناسباً، وسيكون هذا الزائر سعيداً جداً منك في نهاية الزيارة، لأن التخمة عند الشخص العادي، وجفاف الفم الناتج عن ارتفاع سكر الدم سيجعلان من الزائر مكتئباً ملولاً عبوساً متجهم الوجه ضيق الصدر غير مستمتع بالعيد، وإذا ما أصر المضيف على أن يملأ للزائر طبقه بألوان متعددة من الحلويات، فلا بأس أن ينفذ الزائر هذه الرغبة الحميمة، ولكن مع الحرص على ألا يفرغ هذا الطبق في بطنه، فقضمة واحدة أو قضمتين، قد ترضيان رغبة المضيف في إظهار كرمه، وسترضي أيضاً رغبة الزائر في الاعتدال ومنع التخمة، وقضاء أيام العيد بخير وسلامة. واشار د. الحلو قائلا: لكي تدوم أفراح الأعياد وتكتمل دون مشاكل صحية للأصحاء والمرضى ينصح مرضى السكر بعدم الإفراط في تناول الحلويات وخاصة الكعك بالرغم من كونها تمثل جزءا رئيسيا من عاداتنا العربية، وينصح الأطباء مرضاهم كذلك بتجنب التدخين أو شرب الشاي أو القهوة والمعدة خاوية، ويمكن لمريض السكري تناول حبة إلى حبتين من كعك العيد وتمرة إلى تمرتين طوال اليوم لأن الإفراط في تناول كعك العيد يجهد غدة البنكرياس خاصة للمرضى المعتمدين على الأدوية الفموية ويؤدي لارتفاع نسبة الجلوكوز في الدم للمرضى المعتمدين على الإنسولين، ومن هنا تأتي أهمية تحذير مرضى السكر غير المستقر من حلوى العيد حتى لا يكونوا عرضة للإصابة بالغيبوبة السكرية. الإكثار من الدهون الحيوانية والأسمان يزيد من مقاومة الإنسولين "الحمية للمصابين" وبين أن هناك اعتقاداً خاطئاً لدى بعض مرضى السكري، وهو تناول ما شاء من الحلويات مقابل زيادة جرعة الدواء فمثلا بدلا من تناول حبة يتناول حبتين، وكذلك الحال بالنسبة للإنسولين وهذا ليس صحيحا على الإطلاق وإنما يجب التقيد والالتزام بالجرعة المحددة من قبل الطبيب مع الحرص على فحص السكر يومياً خاصة في الأيام الثلاثة للعيد والتي تكثر فيها زيارات الأهل والأقارب. ويحذر خبراء التغذية من الإسراف في تناول حلويات العيد وخاصة كعك العيد والتمر لاحتوائهما على نسبة عالية من النشويات والسكر والزيوت، حيث تحتوي حبة الكعك الواحدة على أكثر من 100 سعر حراري، وتناول أربع كعكات مثلا يمنح الجسم طاقة تزيد على احتياجه اليومي بأضعاف خاصة أن جسم الإنسان يحتاج إلى 1600 سعر حراري يومياً، حيث إن الإسراف في تناول الحلوى والكعك الدسم، يؤدي إلى الإصابة ببعض الأعراض الجانبية مثل حموضة المعدة والانتفاخ والتلبك المعوي والمغص والإسهال نظرا لعدم تحمل المعدة والأمعاء هضم وامتصاص تلك الكميات الكبيرة من الكعك، ومن المستحسن القيام بحرق السعرات الحرارية بعد ساعات قليلة من تناول الوجبات الثقيلة من الغذاء، ويمكن صناعة الحلويات من الموز والخبز المخلوط بالجوز والجزر والأناناس أيضا ليحل مكان الحلويات العادية، فتعد هذه الوجبة غنية بالألياف، وهي لذيذة المذاق، وتحتوي على نسبة قليلة من الدهون والسكر ويمكن تناولها مع اللبن قليل الدسم ومع الكريم فريش أو الدبل كريم الكثيف. وأضاف بقوله : من الأغذية التي ينصح المصاب بالسكري بتناولها الخبز الأسمر والرز الأسمر والسيريل الأسمر لأنها جميعا غنية بالألياف غير القابلة للذوبان، وهي تحتوي أيضا على الزنك والكروميوم وهما اللذان يعززان عمل الإنسولين، كما تعد الفلافل وطبق الحمص بالطحينة من الوجبات الرائعة والتي تعد مصدراً ممتازاً للألياف النباتية، ويقدم معها طبق سلطة مغربية للحصول على شيء من الزنك وعلى تشكيلة جيدة من الخضروات ذات الأوراق الخضراء، ويمكن تناول وجبة من الدجاج الذي يعد نموذجياً على العشاء خلال منتصف الأسبوع في حين أن وجبة اليقطين التي تحتاج إلى وقت أطول لإنضاجها على النار تعد من الوجبات الغذائية المهمة جدا بالنسبة لمرضى السكري كما يفضل تناول السالمون مع البطاطا المسلوقة في الصيف أو يمكن تناول البطاطا المهروسة والخضروات الخضراء المسلوقة على البخار في الشتاء. وشدد د. الحلو بأنه يجب على المصاب بداء السكري أن يعي أعراض ارتفاع السكر في الدم عند أكل الكثير من الكعك على مدى فترة العيد وهي الشعور بالتعب، تكرار التبول مع العطش، زوغان البصر، الشعور بالتنميل أو وخز في أصابع القدمين واليدين، بطء التئام الجروح، تقلصات في العضلات. كما قال د. الحلو: لا ننصح في الأعياد أو غيرها من الأوقات إعطاء ما يعرف بالريجيم لمريض السكري فالحمية في الأعياد او غيرها تعني عدم تناول كل عناصرالغذاء بما فيها السكريات والنشويات، فالحمية تنظيم لا حرمان وذلك خلافاً لما قد يعتقده الكثيرون، فإن إصابة إنسان ما بمرض السكري، قد يتطلب لمعالجته أن يضعه الأطباء وأخصائيو التغذية على برنامج خاص وقاس للحمية، كما يُقال عادة، ولا يعني أن على ذلك الإنسان أن يبدأ بتناول أطعمة مخصوصة أو أن ثمة برنامجا غذائيا معقدا عليه أن يلتزم به سواء في العيد أو في غيره، كما أنه خلافاً لما يعتقد الكثيرون، فإن الإصابة بمرض السكري لا تعني تجنب تناول السكريات والنشويات كلية، بل إن الأطباء يقولون بأن عليه أن يجعل عصب وعماد وجباته الغذائية هو السكريات والنشويات. وتحديداً أن تكون كمية طاقة الغذاء اليومي مصدرها بنسبة 55% من تلك السكريات والنشويات. فالأمر ليس أمراً معقداً، وما يطلبه الأطباء ليس شيئاً مستحيلاً، بل هو ممكن وأكثر من ذلك هو الشيء الطبيعي الذي على كافة الناس اتباعه في شأن تغذيتهم للحفاظ على وزن طبيعي للجسم وللوقاية من أي اضطرابات في الدهون والسكريات وأيضاً لتزويد الجسم بما يلزم من المعادن والأملاح والفيتامينات. "التعامل مع السكري" وأكد رئيس لجنة أنشطة التثقيف والدعم الصحي بمستشفى الملك عبدالعزيز الجامعي د. الحلو أن التعامل الطبي مع مشكلة السكري يتم من جوانب عدة والهدف منها هو ثلاثة أمور: الأول هو إعادة ضبط سلوكيات نمط الحياة اليومية نحو الوضع الطبيعي السليم والصحي، والثاني: تزويد الجسم بما يلزم من إنسولين، أو تزويد الجسم بما يلزم لتحفيز عمل ما هو متوفر من إنسولين في الجسم، والثالث هو منع حصول التداعيات على الأعضاء المستهدفة بالضرر جراء الإصابة بالسكري.. وفي جانب إعادة ضبط سلوكيات الحياة اليومية يجري الحديث حول التغذية التي يتناولها المرء يومياً، وعن النشاط البدني الواجب القيام به لتنشيط أعضاء الجسم المختلفة وضبط التفاعلات الكيميائية الحيوية فيه سواء في أيام العيد أو في غيرها، واشار د. الحلو إلى أن النظام الصحي في تناول الطعام لكل الناس يشمل خمسة عناصر يجب التنبه إليها خاصة أيام العيد وهي : الحد من تناول السكريات حلوة الطعم، أي السكريات البسيطة السهلة الهضم والسريعة الامتصاص. وأيضاً إعاقة امتصاص الأمعاء السريع لها إن أمكن، وأكل وجبات متعددة في اليوم، أي ست وجبات بدل ثلاث وجبات لكن بكميات قليلة وضبط كمية طاقة كامل الوجبات الغذائية اليومية ضمن الكمية اللازمة للحفاظ على وزن طبيعي للجسم ولإمداد الجسم بكمية الطاقة اللازمة لأداء الأعمال اليومية وأنشطتها، الحرص على الإكثار من تناول الحبوب الكاملة غير المقشرة والفواكه والخضار الطازجة، مع الحرص على جعلها الأساس دون المصادر الغذائية الأخرى وضمن كمية كامل الطاقة اليومية من السعرات الحرارية لها وتقليل تناول الدهون بشكل عام، والحرص على جعل الدهون النباتية غير المشبعة هي عماد الدهون اليومية. هذه الجوانب هي أساس طريقة ومحتوى الوجبات الصحية في التغذية لمرضى السكري ولعامة الناس الطامحين للصحة والوقاية من السمنة أو الأمراض المزمنة، وننصح نحن معشر الأطباء دوما تقسيم كمية كامل طاقة وجبات الطعام اليومي ويكون تشكيل مكونات الوجبات لتحتوي بنسبة 55% منها على النشويات والسكريات، وعلى البروتينات بنسبة 20%. وعلى الدهون بنسبة 25%، وتختلف كمية الطاقة اليومية من الغذاء حسب عمر وجنس ووزن الشخص، وهذا ما يحدده الطبيب ليضع أخصائيو التغذية خيارات عدة من الأطعمة أمام المرء كي يُحقق ما يطلبه الطبيب "الطفل وداء السكري" وذكر د. الحلو أن من الأخطاء الشائعة أن تُترك للطفل الحرية الكاملة للتصرف في كثير من الأمور دون متابعة من الأبوين، قد يكون ذلك مقبولًا مع الطفل السليم، ولكنه يختلف بالنسبة إلى الطفل الذي يعاني من أحد الأمراض المزمنة، كمرض السكري الذي يشكّل نسبة كبيرة بين أطفالنا ويحتاج إلى مزيد من العناية، في مثل هذه الأيام بشكل خاص، حيث تكثر المأكولات والحلويات الجذابة كما تزداد فرص الإصابة بأمراض أخرى كالتهاب الجهاز التنفسي العلوي وعدوى المسالك البولية واضطرابات الجهاز الهضمي، وهذه كلها وسواها تؤثر في مستوى السكر في دم الطفل المصاب، وتؤدي إلى مضاعفات قد تصل إلى غيبوبة السكر فتُعتبر عملية إدارة الوضع الصحي للطفل المصاب بالسكري، تحدياً في حد ذاتها، وتتفاقم المشكلة عندما يصاب هذا الطفل بمرض آخر، ويحتاج الأبوان إلى بعض الإرشادات التي تصحح الأخطاء التي يقعون فيها خلال أيام العيد، ومنها: عدم التوقف عن إعطاء الطفل الإنسولين بالجرعة المقررة له سابقا، وعدم إجراء تغييرات رئيسية في النظام الغذائي للطفل، بالإضافة إلى عدم إعطاء الطفل أي دواء إلا باستشارة الطبيب، فكثير من الأدوية التي تحتوي على السكر وغيره يمكن أن تؤثر في مستوى السكر في دم الطفل، وفي حالة حدوث خلل في جرعة الإنسولين يجب استشارة الطبيب المعالج خصوصا إذا كان الطفل مصاباً بمرض آخر، وفي حالة إصابة الطفل باضطراب معوي، يعطى عادة مزيدا من السوائل، بما في ذلك الحساء والجيلاتين، والعصائر الطازجة، مع تجنب أي مشروب يحتوي على مادة الكافيين، ويجب التأكد من شرب الطفل الكثير من الماء، ومن المهم جدا مراقبة نسبة السكر في الدم بدقة وكذلك مستوى الكيتون في أثناء تعرض الطفل لأي مرض، وذلك بعمل فحص للدم كل بضع ساعات وللبول عدة مرات في اليوم الواحد.