الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد: فقد تابع المسلمون في أرجاء الدنيا بكل غبطة وسرور مراسم وضع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حجر الأساس لأضخم توسعة في التاريخ للمسجد النبوي الشريف، بأفضل وأرقى المواصفات المعمارية في العصر الحديث وتقنياته المصاحبة. ذلك أن لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانة عظيمة في الإسلام ومنزلة أثيرة في نفوس المسلمين، كيف وهو المسجد الذي قال الله تعالى فيه: (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) [التوبة: 108] ويدخل في هذا الفضل مسجد قباء. وقد أعلمنا المصطفى صلى الله عليه وسلم أن الصلاة في مسجده هذا تعدل ألف صلاة في غيره من المساجد سوى المسجد الحرام، وأنه أحد الثلاثة مساجد التي لا تشدُّ الرحال إلا إليها، وأن ما بين منبره صلى الله عليه وسلم وبيته روضة من رياض الجنة. فالذي أسس هذا المسجد هو رسولنا الأمين محمد صلى الله عليه وسلم في أولى لحظات وصوله للمدينة المنورة، في ربيع الأول من العام الأول من هجرتهِ، تَحفُّه جموع المسلمين من المهاجرين والأنصار، إذ بركت ناقته في أرض تقع في وسط المدينة، فاشتراها من أهلها واختارها لتكون مسجدًا يجتمع المسلمون فيه لأداء صلواتهم وعباداتهم، وشرع مع أصحابه في بنائه. فكان طوله سبعين ذراعًا، وعرضه ستين ذراعًا، أي ما يقارب 35 متراً طولاً، و30 عرضاً. وجعل أساسه من الحجارة والجدار من اللَّبِن، وجعل له ثلاثة أبواب، وسقفه من الجريد. وكان عليه الصلاة والسلام يبني معهم اللَّبِن والحجارة. ** أول توسعة في تاريخ المسجد النبوي: كانت أعداد المسلمين في المدينة تزداد يوماً بعد آخر نتيجة الهجرة إليها، فضاق المسجد النبوي بالمصلين، وعندها قرر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيادة مساحته، وشرع في ذلك بعد فتح خيبر في سنة 7ه، فزاده أربعين ذراعاً في العرض ، وثلاثين ذراعاً في الطول، حتى أصبح المسجد مربع الشكل: مائة ذراع في مائة ذراع. مع بقاء المسجد على حده الأول من جهة القبلة. وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه هو الذي اشترى هذه البقعة التي أضافها عليه الصلاة والسلام. ** تعاهد الخلفاء والملوك للمسجد النبوي وعمارته: لم يزل المسجد النبوي محل عناية خلفاء المسلمين وملوكهم، كلٌّ يسعى لشرف إعمار هذا المسجد الشريف وتوسعته، ففي عهد الخلفاء الراشدين تمت توسعتان الأولى في عهد أمير المؤمنين عمر الفاروق رضي الله عنه. والثانية في عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكانت هذه التوسعة والعمارة متميزة للمسجد النبوي، حيث خدمت الأعداد المتزايدة من المصلين على مدى نيِّف وخمسين عاماً، ثم توالت التوسعات في العهود والدول الإسلامية المتعاقبة: الدولة الأموية، وفي الدولة العباسية ، وفي العهد العثماني؛ ابتغاء شرف خدمة المسجد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام. ** الدولة السعودية والعناية الشاملة بعمارة وتوسعة وخدمة المسجد النبوي: في العهد السعودي: استفتح الملك المؤسس الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل وأسس مجد الدولة السعودية وتشرفها بخدمة الحرمين، وابتدأ رحمه الله عصر التوسعات التي لم يسبق لها نظير من قبل، تواكباً مع الأعداد المتزايدة من قاصدي الديار المقدسة من العالم الإسلامي، فأعلن رحمه الله عن مشروعه الكبير في عمارة وتوسعة الحرمين الشريفين عام 1368ه، ثم تابعه على هذا الشرف العظيم والمجد الأثيل أبناؤه الملوك من بعده: الملك سعود بن عبدالعزيز، والملك فيصل بن عبدالعزيز، والملك خالد بن عبدالعزيز، والملك فهد بن عبدالعزيز رحمهم الله جميعاً، حيث تنافسوا في عمارة وتوسعة المسجد النبوي. وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله أولى تطوير المدينتين المقدستين مكةوالمدينة والحرمين الشريفين اهتماما بالغًا. إذ تميزت توسعة الحرمين الشريفين بمكةوالمدينة في عهده بالتخطيط الإستراتيجي الذي شمل تطويرًا وتوسعة شاملة لكل ما يلبي خدمة الحاج والمعتمر وزائري مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاءت التوسعة والتطوير بدءاً من بوابة مكةالمكرمة - مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة - وقطار الحرمين الناقل للحجاج والعمّار والزوّار من مطار جدةلمكة والمشاعر المقدسة، ومن مكة إلى المدينة، وكذلك مشروع إعمار مكةالمكرمة، ووقف الملك عبدالعزيز على الحرمين الشريفين، الذي يعد الآن من أكبر الأوقاف السكنية في العالم كله، والتوسعة الكبرى للمسجد الحرام، والمشاريع الأخرى كتوسعة المسعى، ومشروع سُقيا زمزم. وغيرها. وهاهو خادم الحرمين يَنْظِمُ لؤلؤةً أخرى كريمة في عقد المجد والشرف العظيم، من خلال هذه التوسعة الجليلة للمسجد النبوي، هذه التوسعة التي لا نظير لها في التاريخ على المستويات كافة: التخطيط والمساحة والمواصفات والتنفيذ، وفق رؤية استراتيجية تكفل خدمة هذا المسجد وكلَّ من يمم إليه، بحيث يستوعب ما يزيد على مليون وثمانمائة شخص، بل ويبهج كل مسلم ومسلمة في أرجاء الدنيا. ومن شاء أن يقف على مدى تطلع الملك عبدالله لخدمة دين الإسلام وعلى خدمة الحرمين الشريفين، وحرصه أن يهنأ المسلمون بمسجد نبيهم عليه الصلاة والسلام فله أن يتوقف عند تلك اللحظات التأسيسية لهذه التوسعة عندما تم العرض على الملك بأن مدة التنفيذ ثلاث سنوات فيصرُّ ويؤكد على أن لا تتجاوز مدة التنفيذ سنتين. هذا هو خادم الحرمين... وهذا جانب من خدمته للحرمين...وبخاصة التوسعة الأخيرة للمسجد النبوي والتي كان توقيتها لأهل الإسلام كالماء العذب الزلال... حيث مطمئناً لقلوبهم ومخففاً لمصابهم في خضم إساءات بغيضة تكررت ضد القرآن والإسلام وضد سيد الأنام محمد عليه الصلاة والسلام. فالله نسأل أن يجزي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على هذا العمل الجليل خير الجزاء دنيا وآخرة، وأن يرزقه طول عمرٍ وحسن عملٍ، وأن يرزقه الورودَ على حوض نبيه صلى الله عليه وسلم، ويكرمه بشربة من يده الشريفة، وأن يمنّ عليه بشفاعة حبيبنا ورسولنا صلى الله عليه وسلم ومرافقته في الفردوس الأعلى من الجنة. اللهم آمين. *أستاذ الدراسات العليا بجامعة الملك سعود