كان الإعلان بصوت الراحل سليمان العيسى رحمه الله عن زيادة بمخصص ميزانية الدولة للعسكريين من الجنود بمبلغ تقريبا 300 ريال في الراتب الاساسي ، كان هذا الاعلان الجميل والمرتقب كل عام وبصوت العيسى مصدر فرح لوالدي رحمه الله، وكان هذا الفرح لايتوقف عند ابتسامة والدي العريضة وانما ينعكس علينا في البيت جميعا، ولا نمل تكرار مشاهدة الاعادة لانباء الميزانية في اليوم التالي، وبالتالي لا نمل من مشاهدة العيسى ونتسمر امام الشاشة بانتظار زيادة الجنود البسطاء بعد ان كانت البداية بالمليارات..!! لم يتوقف المذيع الملكي عند اهم خبر كان يترقبه السعوديون بلهفة في تلك الايام، جذبنا له وبشدة وبعفوية وهو يقدم برنامجه الشهير آنذاك " مع الناس " كان اذا لم تخني الذاكرة موعد بثه المسجل والمفلتر ليلة الاحد، الكبار في بيتنا يشاهدونه، كنا نشاهده وببساطة وعفوية وهو يجر معه المايكرفون بسلكه الطويل وهو مع المراجعين بالجوازات، ومسؤولي الجوازات معه في صف تقليدي بجانبه، وهو يختار المواطنين بتلقائية ويستمع لمشاكلهم ومعاناتهم، ويحول تساؤلهم الى الضيف المسؤول ونشاهد كيف تحل المشكلة باشارة عفوية من العيسى وتشديده على المواطن ان وعد المسؤول اذا لم يفِ به، فالموعد الحلقة القادمة، منتهى العفوية والبساطة في الطرح والتنسيق المفلتر للبرنامج، ورغم ذلك نقف بدهشة أمام ما يفعله العيسى، رغم انه لا ناقة لنا ولا جمل، وروح البرنامج بالمفهوم الاعلامي أُفقه ضيق جدا في حل مشكلة بسيطة لمواطن في الجوازات او الاحوال والبطولة المطلقة بالفعل للمسؤول الذي يهمه ان كل شيء تمام امام المسؤول الذي يشاهده بتمعن في ظل قناة واحدة فقط، عكس مئات القنوات الفضائية حاليا . المذيع الملكي الشامل والمتنوع كان وبكل جدارة معلقاً رياضياً، كان رائعاً في وصفه وثقافته وحضوره، عكس الغثاء الكبير الذي نعيشه حالياً، مع معلقي معلومات "قوقل"، فكان صوته بالوصف التلفزيوني لأهم المبارايات او الاذاعي عبر الوصف للمربعات في الملعب لكي يتخيل ويعيش المستمع اجواء المبارايات الغير منقولة تلفزيونياً، فكنا ننشدُّ وونجذب عندما كان حماس صوت العيسى رحمه الله يصف لنا الهجمة في المربع رقم خمسة او ستة، لا اذكر التفاصيل بصورة دقيقة..!! رحل سليمان العيسى وهو مذيع الاجيال بالسعودية، الصغار يعرفونه مثل الكبار، انه المذيع المتفرد بأهم اخبار القرارات الملكية لمدة تجاوزت اكثر من ربع قرن بحساباتي الشخصية، كان رجلا متواضعا بكل ما تعنيه الكلمة، كان في فترة ابتعاده عن التلفزيون اشاهده عند احد الاصدقاء في احد البنوك، كانت زيارته لهم بشكل متواضع والاحتفاء العفوي به لم يكن يتعلق بأي امور مادية وانما كانوا يرددون "ابو محمد" انسان جميل ورائع. الاشكالية لدينا اننا محترفون جدا في كتابة الرثائيات، عندما يرحل المبدعون ومن كانت لهم بصمات جميلة في حياتنا نجدنا اكثر بلاغة واشطر من اشهر محركات البحث في ايجاد المعلومة، لم نحاول ان نشعر حبنا للراحل سليمان العيسى وتقديرنا لمشواره الاعلامي الرائع الا بعد ان اعلن عن وفاته بمستشفى التخصصي وبعد معاناة مع الالم، لم نكلف انفسنا للاسف ان نحتفي به في حياته، رحم الله مذيع العائلة السعودية البسيطة والمذيع الملكي سليمان العيسى..